في إطار جدلية التوافق والصراع في فضاء السياسة السودانية، والبحث عن آليات ومنهج للإصلاح الحزبي في السودان حتى تلائم هذه الأحزاب مبدأ الواقع ويستقيم النشاط السياسي ومن ثم بناء الدولة السودانية القوية التي هي الأخرى قد تأثرت، بل تضرَّرت كثيراً من صراع القوى السياسية وأزمة الإصلاح الحزبي!!.. الكل يتَّفق على أن الأحزاب السياسية في اليمين والشمال قد فشلت في تأسيس وصناعة الاندماج القومي ما عدا تلك التي مرجعيتها الفكرية الحركة الإسلامية، على الرغم مما أصابها من نزاع داخلي ربما أضعف خطابها السياسي لكنها تظل الأجدر في الساحة بالحفاظ على النظامين السياسي والاجتماعي بالبلاد.. الفصل الأول في كتاب الإصلاح هو الاعتراف بمبدأ النقد الذاتي لكشف مواطن الخلل والعيوب ثم العلاج، بعدها يمكن أن نجد من الأحزاب ما هو مؤهل لقيادة المبادرة وبحث المشتركات الوطنية، والاتفاق على الحد الأدنى من المبادئ والقيم اللازمة للمحافظة على كياننا الاجتماعي والسياسي؛ لأنه من واقع التجربة والمنطق كيف أن حزبًا فشل في استيعاب التنوع داخله يصبح مؤهلاً للحديث عن تكوين الدولة السودانية. أزمة الإصلاح الحزبي والسياسي هي أزمة الدولة الآن، حيث إنها العقبة الكؤود في تكوين الدولة السودانية القوية وهو سبب فشلنا في تأسيس الاندماج القومي الذي يُفترض أن تنتهي عنده كل الغايات والأهداف، كما أنه أضعف قدرة الدولة الاستيعابية وتجاوبها مع قضايا البلاد، وذلك ما فتح الباب أمام الخصوم للاستثمار في تنوع الثقافات السودانية وتحويلها إلى منصات دمار وتدابر بدلاً من أن تصبح آلية إجماع وتقوية للصف الوطني. كيف للأحزاب أن تعلو همتها وتستجمع قدرتها لبناء حس الانتماء المشترك بدلاً من تلك المرجعيات الجهوية والجغرافية على نسق حزب جبهة الشرق ومؤتمر البجا وغيرها من التسميات والمرجعيات التي تمثل اختلالات «وتقزيمًا» في بناء الجسم والنظام السياسي الذي يقوم عليه، حيث انزوى الحزب وأصبح أكثر عمقاً في المحلية المجتمعية والجغرافية، ومثل هذه الأحزاب أنسب لها الاندماج في كيانات وأحزاب أخرى حتى تتربى على السلوكيات القومية والتي بضعفها انخفضت الفاعلية في المركز وحتى الولايات في بناء الدولة السودانية الأنموذج!!.. في ظل فشل الإدارة الفردية للأحزاب وغياب الكارزيما الشخصية وما نعيش من تصدعات وجدال في أحزاب «الأمة والاتحادي الديمقراطي وحتى المؤتمر الوطني نفسه»، وفي ظل البيئة والتضاريس الاجتماعية السودانية وفي ظل خطوات بحثنا عن الإصلاح هل ستصلح الإدارة الجماعية للحزب في السودان؟؟!.. وبين ظهرانينا حزب سوداني يُدعى حزب الأمة القيادة الجماعية لكن قيادته بيد شخص واحد يديره كيف يشاء برغم أن البعض يردّ ذلك إلى صغر حجم الحزب وضعف قاعدته الجماهيرية.. في حالة المؤتمر الوطني الحزب العريض الذي يرأسه المشير عمر حسن أحمد البشير بكل كارزيماه القوية وشخصيته العسكرية ورمزيته الثورية وعفته وتلك التي يرى البعض أنها عناصر تمثل شرعية كبيرة للمؤتمر الوطني وهي سبب لفوز الكثيرين في الانتخابات الأخيرة، ونحن نبحث عن الإصلاح والحديث عن المستقبل نقول: هل المؤتمر الوطني قد تمكَّن من تحصين نفسه من صراع الأنداد وعدم احترام الشخصية المحورية في الحزب لا سيما إذا غاب سعادة المشير عن المشهد؟؟!.. قضية أخرى هي أن المؤتمر الوطني وفي سياق بحثه عن إصلاح الحركة السياسية وبناء الدولة السودانية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً قد طرح جملة مفاهيم ومصطلحات منها على سبيل المثال لا الحصر «التوافق التراضي والإجماع» وهي مصطلحات شائعة اليوم ومستخدمة على نسق واسع لا سيما أجسام المعارضة وإن تقزمت هذه التيارات لكن هنا نسأل: هل هذه التسميات وغيرها يمكن أن تصبح مفاتيح.. للإصلاح الحزبي في البلاد؟ كما نردف السؤال بآخر وهو: أين الخلاف ما بين القوى السياسية السودانية.. هل ينحصر حول السلطة وتدابيرها أم في شأن تأسيس الدولة ودستورها؟!!.. إيجاد حلول نموذجية للأسئلة أعلاه وغيرها من الأسئلة التي تدور في أذهان السودانيين يمكن أن يعطي ملمحاً لمسارات الإصلاح السياسي والحزبي، ونستطيع بناء وتقوية الهوية الثقافية الواحدة ويصبح كل ما عداها في إطار الهويات الفرعية.. بكل تأكيد السودان وبعد انفصال الجنوب يحتاج إلى صناعة مجتمع سياسي جديد يعلو على كل الانتماءات والولاءات، مجتمع يستوعب غايات وأهداف المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويمكن تسميتها بالقيم الجوهرية للمجتمع السوداني السياسي.. بقي أن نقول إن قضية الإصلاح الحزبي في السودان تحتاج إلى منتديات وورش عمل ومن ثم قوانين وآليات لتأطير الإصلاح وأدواته ومن أين يبدأ المصلحون، ومساهماتنا هذه تعتبر نزراً يسيراً من المطلوب، كما أن الجامعات والمراكز البحثية والدراسات منوط بها دور أكبر في هذا الاتجاه لجهة إصلاح الحياة والممارسة في بلادنا!!..