ونحن خارجون من مؤتمر للتعليم يحسب أنه أعطى كل قضايا التعليم حقها، ولكن صاحب هذا العمود له رأي آخر في تعليم الرحل.. كلما سمعت كلمة تعليم الرحل يفور دمي وأتخيل مدرساً على حمار أو جمل يجوب مع فريق من الرعاة ويجول معهم أينما جالوا ليعلِّم أبناءهم. أو شيئاً قريبًا من هذا، وأتخيل المردود البائس لهذه العملية ونحن في القرن الواحد والعشرين. بل يتعدى خيالي للأسر المترحلة وما هدفها من الترحال.. إنهم يبحثون عن الماء أو المرعى أو هم هاربون من آفة وليس أي سبب آخر، هل رأيتم من يحب عدم الاستقرار ويترك بيته ليترحل من مكان لمكان وعياله معه بلا سبب؟ كم تمنيت أن تسأل إدارة تعليم الرحل قبل وضع المناهج والخطط لتدريسهم أن تسأل لماذا هم يترحلون أصلاً ولا يبقون في مكان واحد.. وسيجدون الإجابة واحدة من ثلاث: إما بحث عن الماء أو بحث عن المرعى أو هروبًا من حشرة أو آفة.. وبدلاً من علاج هذه المشكلات في تكامل بين كل الجهات التعليمية والصحية والعمرانية تجد كل جهة من هذه الجهات تحاول أن تعالج ما يليها إما بمدارس متحركة أو عيادات متحركة وهكذا. غير أن الأوجب أن تحل جذور المشكلة وليس فروعها.. فمثلاً بعد أن يحدد سبب الترحال إن كان طلباً للماء أن يوفّر الماء بحفر الآبار أو أي مصادر مياه أخرى حتى يحصل الاستقرار والذي يقود لخير كثير.. وإن كانت بحثاً عن مرعى أن توجد طريقة لمعالجة ذلك، أما إن كانت الثالثة وهي الهروب من الآفات فما أسهل القضاء عليها بأسلوب علمي. طبعًا لا نلوم إدارة تعليم الرحل إذ هي ترس من تروس الدولة وجدت وزارة التربية رحلاً لهم مشكلة في تعليم أبنائهم وأرادت ان تحلها في مجالها وفي حدود مسؤوليتها من إلزامية التعليم.. وليس مطلوبًا منها أكثر من ذلك ولكن كل اللوم على واضعي الإستراتيجية الخمسية أو ربع القرنية. «طبعا شكِّي في عدم وجود إستراتيجية موضوعة بعلمية وبواسطة خبراء كتبته أكثر من مرة». ما رأيكم في النداء بعدم تعليم الرحل بل توطينهم، وأصر على أن «توطينهم»، يجب أن يكون هو هدف محلياتهم وولاياتهم، وإن كبر عليهم يرفعونه للمركز حتى لا نضطر «لحلحلة» المشكلات بالقطاعي. اقتصاديًا أيهما أسهل أن تقدم خدمة لمستقر أم لمترحل؟ تطوير المستقر مجدٍ أكثر وأقل تكلفة بلا شك، وله عائد ومردود واضح سيكون أضعاف ما ينعكس على المترحل. وطِّنوهم أولاً ثم ما أسهل تعليمهم بعد ذلك.