لم تكن الأحداث في ولاية كردفان التي وقعت في بحيرة الأبيض خلال اليومين الماضيين ببعيدة عن زيارة السيدة هيلدا جونسون مبعوث الأمين العام للامم المتحدة لدولة جنوب السودان. نعم وصلت جونسون للخرطوم والسيدة هذه معروفة جدًا كخبيرة في شأن المفاوضات الطويلة من اجل السلام في السودان والذي تكلل باتفاقية السلام التي وقعت في مدينة نيفاشا الكينية عام 2005م وانتهت باستفتاء شهد عليه كل العالم لشعب جنوب السودان جعل الجنوب يصبح بعده دولة مستقلة عن السودان الشمالي، بعدها عكفت هيلدا جونسون التي كما اسلفت تتمتع بصداقات قوية مع شخصيات في سدة السلطة وشخصيات سودانية اخرى في مراكز الدراسات وغيرها جعلتها من اكثر الملمين بالشأن السوداني. عكفت جونسون بعد سنوات التفاوض على توثيق جهدها في رحلة السلام فكتبت بمساعدة عدد من مصادرها والذين من بينهم هايلي منقريوسي مبعوث الامين العام للامم المتحدة بالسودوان كتابها قصتي مع اطول حروب افريقيا الذي توالي صحيفة الإنتباهة نشره منذ شهور. اذن المرأة الخبيرة في الخرطوم وبالطبع بحكم علاقاتها السابقة ستفتح لها كل الأبواب لكن السؤال لماذا تزور جونسون الخرطوم في هذا الظرف بالذات؟ صحيح هدف الزيارة المعلن تحسين العلاقات بين الجنوب ودول الجوار وكما هو معلوم السودان هو الجارة الأم للجنوب فمن باب اولى ان تبدأ جونسون رحلتها بالخرطوم وهي بداية موفقة واختيار سليم لدبلوماسية عارفة ومحترفة في تخصصها ومن ثم تذهب الى نيروبي ويوغندا وهذه دول ذات علاقة مباشرة ومعقدة في ذات الوقت بالملف السوداني الجنوبي. غير أن الأهم ان جونسون تأتي للخرطوم والأحداث في جنوب كردفان دخلت اطوارًا معقدة فقد تجاوزت الأحداث الجبهة الثورية المكونة من حركة عبد العزيز الحلو ومالك عقار ومجموعات دارفور مني اركو مناوي وعبد الواحد محمد نور الى اعلان دولة الجنوب بصورة رسمية تبنيها للهجوم على منطقة الابيض في جنوب كردفان حيث بات الامر هنا مختلفًا تمامًا فما كان يحدث سابقًا هو هجوم لحركات مسلحة لها مظالم مشروعة او غير مشروعة مع النظام وتتحرك هذه الحركات في الغالب من اراضٍ سودانية، اما ان تعلن دولة الجنوب عن مسؤوليتها عن الهجوم على منطقة بحيرة الأبيض فهذا تعدٍ سافر على الامن القومي من دولة جارة يعني ان هذه الدولة تعتزم الدخول في حرب مباشرة مع السودان لحسم القضايا العالقة على الحدود وفي الحدود سادتي «سواهي ودواهي» وازمات ستهز كيان الدولتين ما لم ينتبه القائمون بالامر في الخرطوم وجوبا في تعاملهم مع هذه الملفات بكياسة فان كل الامور ستكون في مهب الريح. قلت من قبل ان اغلب استكشافات النفط في ابيي وقلت ايضًا ان الأطماع الاجنبية ربما فكرت في بناء قاعدة عسكرية في ابيي، وفي اعتقادي القوة الاثيوبية الموجودة حاليًا في ابيي ما هي الا طليعة للتدخل الاجنبي مهما اجتهد الآخرون في تبريرها، والهجوم على منطقة الابيض له صلة مباشرة بما ذهبت اليه، فما عندي من معلومات من مصادري الميدانية ان الهجوم نفذته قوة قوامها «1700» من جنود الجيش الشعبي انطلقت من منطقة فاريانق في ولاية الوحدة كان هدف هؤلاء هو احتلال منطقة ابيي.. هذه التطورات ستقود لأوضاع انسانية معقدة في الشريط الحدودي بين الدولتين وهو ما يقلق الأممالمتحدة ويقيني ان هيلدا جونسون ستطرح بالخرطوم بعض الأفكار التي تولد رؤية تجمع الدولتين على منضدة الحوار مرة أخرى وهي في الأساس مهمة استطلاعية وقراءة لمدى استعداد الأطراف المعنية بالجلوس للحوار ومن هذا المنطلق نستطيع ان نقول ان هجوم دولة الجنوب على مناطق في جنوب كردفان يأتي في اطار تعزيز موقفها في اي تفاوض مستقبلي مع السودان برعاية اممية وسنعود...