يخطو العالم الآن بتسارع مخيف نحو هاوية عميقة الغور من الأزمات المالية والاقتصادية، حيث يتهدد العجز وأزمة الديون العديد من الدول الغربية الغنية، والتي كانت حتى وقت قريب أبعد ما تكون عن مثل هذة الأزمات، بل أن دولاً مثل الولاياتالمتحدة «الأم البيولوجية للنظام الرأسمالي الذي أعلى من القيم المادية الاقتصادية على حساب القيم الإنسانية والذي هو يقود العالم الآن نحو مصير بائس»، الولاياتالمتحدة هذه هي الآن بصدد معالجات مالية قد تقودها لاجراءات اقتصادية عنيفة لم تشهدها من قبل ولم تحسب لها حساباً، وعلى ذات الدرب تجرف قاطرة الاقتصاديات المعطوبة العديد من دول أوروبا التي حاولت تحصين نفسها من مثل هذة الأزمات بإنشاء وحدة نقدية هي اليورو كأهم إجراء في ظل الاتحاد الأوربي. ولكن فيما يبدو فإن اللعنة المالية التي تطارد النظم الاقتصادية الغربية لن يقف أمامها شيء، حيث تشير مجريات الأحداث الى أن اليورو قد بدأ يتأثر تأثراً عميقاً بأزمة الديون السيادية للعديد من دول الاتحاد، وهو ما بات يتهدد المنطقة بأكملها وربما يؤدي في القريب العاجل على ضوء الانهيارات التي تشهدها أسواق المال في دول الاتحاد، إلى تفكيك الخريطة السياسية للاتحاد وخروج بعض الاقتصاديات التي تمثل عبئاً عليها. غير أن أسوأ ما في هذة الأزمة على المستوى العالمي، هو أنها لن يقف تأثيرها على هذه الدول فحسب، بل سينسحب كل ما يجري هناك على الأوضاع الاقتصادية العالمية ككل، وفي مقدمتها أوضاع الدول العربية والدول التي تصنف على أنها دول نامية، مما سيزيدها سوءاً على سوء. ذلك أن حجم التعاملات التجارية بين هذه الدول ودول الاتحاد الأوربي يذهب إلى أرقام بأصفار مهولة وركود أسواقها نتاجاً طبيعياً للأزمة المالية، يعني توقف حركة هذه الأموال مما سيعود بأسوأ الأثر على اقتصادياتها، اضف إلى ذلك أن دول الاتحاد هي من أكبر المستثمرين في الدول العربية والدول النامية عموماً، ولهذا يحذر الخبراء والمحللون الاقتصاديون من أن أزمة اليورو ستطول هذه الدول إن عاجلا أو آجلاً. ولهذا أيضاً تسعى بعض الدول التي تصنف على أنها في طور النمو الاقتصادي إلى عقد تحالفات اقتصادية بمثل ما تفعل دول أمريكا الجنوبية الآن، التي باتت تخشى أن تنتقل إليها عدوى الأزمات المالية من أوربا وأمريكا، حيث اجتمع وزراء مالية دولها مع محافظي البنوك المركزية بها لبحث تنسيق سياساتها من أجل معالجة آثار الأزمة القادمة نحوهم بقوة من العالم الصناعي. ويتردد الآن الحديث عن «درع » تقيمه هذه الدول فيما بينها لتخفيف هذه الآثار. ومن أول ملامح هذا الدرع تنسيق العمل مع الاقتصاديات الصاعدة مثل الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل «دول الايبسا». وبحسب الدراسات التي أجريت فإن هذا الإجراء سيكون له أكبر الأثر في السيطرة على تداعيات الأزمة المالية القادمة بقوة نحو كل ما يرتبط باقتصاديات الدول الصناعية الكبرى، حيث تؤكد العديد من الدراسات أن التكتلات الاقتصادية هي الضمانة الأولى لإيقاف مد الأزمة الجارف حتى لا يطول الاقتصاديات النامية والضعيفة التي هي بالضرورة لا تملك من الضمانات المالية ما يدفع عنها خطورة تداعياتها، ولا تملك كذلك من دعم الصناديق المالية العالمية ما يؤدي لفرض تسويات ومساعدات مالية للإنقاذ في حال ما تداعى اقتصادها. ما قادنا لكل هذا الاستطراد هو ما نود أن تتنبه إليه الجهات المسؤولة من ضرورة اغتنام السانحة التي تبتدرها دول «الايبسا» والتي جاءت في إطار محاربة الفقر وإعادة النازحين المتأثرين بالنزاعات، هذه المبادرة التي ربما تمثل بداية ارتباط أوسع وأشمل قد يطول العديد من أوجه التعاون التي ستعود بالنفع على الجميع والسودان على رأسهم، خاصة أن المجموعة تسعى إلى الدخول في مشروعات تنموية عبر برنامج الأممالمتحدة الإنمائي في مجالات السودان أحوج ما يكون إليها، كمجالات محاربة الفقر ومكافحة الآثار السالبة للتغير المناخي وتوفير المياه الصالحة للشرب، وأيضاً السعي لمعاجة إشكالية مزمنة هي توطين النازحين وإقامة تنمية مستدامة في مناطقهم. فهذه المشاريع إن صدقت وما يستتبعها من تعاون على أكثر من محور، ستؤدي الى تغيير جذري في الكثير من الأوضاع على كافة المستويات، اقتصادياًَ وسياسياً واجتماعياً، بل أن الطموح يبتعد لأكثر من ذلك في ضرورة دخول السودان في تكتلات اقتصادية إقليمية أو دولية، وهو أهل لذلك بموارده الغنية، مما سيمثل إحدى سبل الوقاية من أزمة طاحنة لم تعد تتهدد العالم النامي والدول الفقيرة فقط، بل هي الآن تحيط بخناق الغرب «الغني» و «الصناعي» بقوة لم يسبق لها مثيل.