البروفيسور محمود أحمد محمود من رموز الحركة الإسلامية السودانية. وقد كتب البروفيسور الجليل محمود أحمد محمود عن صديقه وصفيّه الطيب صالح. البروفيسور محمود أحمد محمود هو علاّمة الزراعة والعالم الزراعي الباحث الذي اكتشف عينّة الذّرة (ود أحمد) وهي نوع من الفتريتة الحمراء. وقد قضى في اكتشافها عشر سنوات. استنبط البروفيسور محمود أحمد محمد أول صنفين (قدم الحمام47) و(دبر واحد). وقد أجيز الصنف الأول علمياً وأسمي (ودأحمد). كما نشر الباحث البروفيسور أبحاثاً وأوراقاً علمية في أكثر من ثلاثين دورية متخصّصة. تميّز محمود أحمد محمود بعلاقة صداقة وثيقة مع الطيب صالح، حيث قال (الطيب محمد صالح المشاوي كان نعم الأخ وأقرب وأحبّ الأصفياء إلىّ منذ التقينا في امتحان الدخول للمدرسة الوسطى في بورتسودان في يناير 1941م. ولم نفترق حتى عام 1949م. حيث ألقى بنا البين المشت المراميا، كما يقول العقاد. فسافرت أنا إلى مصر وسافر هو بعدها إلى بريطانيا ليعود منها في صندوق يوارى ثرى وطن أحبَّه). ويلقى البروفيسور محمود أحمد محمود الكثير من الأضواء عن صديقه النابغة الطيب صالح، الذي أحرز مرتين مرتبة ثالث السودان في دراسته الأكاديمية في امتحانات الشهادة السودانية، فيقول (في الكثير الذي يُكتب عن الطيب صالح بما في ذلك نعيه في الإيسيسكو، أن الطيب صالح قد نال درجة البكالوريوس من جامعة الخرطوم. وكما ذكرت من قبل فإنّ الطيب صالح قد فصِل من كلية العلوم في نهاية السنة الثانية، لأنه لم يجتز مادة النبات. وهذا وضع لا يشبه الطيب صالح ونبوغه بحالٍ من الأحوال. فقد امتحنا لدخول المدرسة الثانوية الحكومية الوحيدة في السودان في ذلك الزمان. وكان عدد الممتحنين «1034» وجاء الطيب صالح الثالث في ذلك الإمتحان. ثم امتحنا لشهادة( كيمبردچ) المؤهِّلة لدخول الجامعات وكان الثالث أيضاً على طلبة وادي سيدنا. ولعلّ السبب كان زهد الطيب في العلوم بعد أن دخلها ومنازعة نفسه نحو الآداب). ويلقى البروفيسور محمود أحمدعن صديقه الطيب صالح وصفيّه المزيد من الأضواء فيقول (جاء في نسب الطيب صالح القبلي تارةً أنه من الركابية وأخرى أنه من البديرية والركابيَّة. والذي أعرفه جيداً أن النَّسَب المسجَّل في المدرسة، والذي كان يقوله لنا الطيّب نفسه، أنه من قبيلة الجعافرة). كثير من الذين كتبوا عن الطيب صالح لم يتوفر لديهم إضاءات عن حقيقة ارتباطه بالحركة الإسلامية السودانية. حيث كان الطيب صالح في جامعة الخرطوم ناشطاً - بشهادة رفاقه - في (حركة التحرير الإسلامي) بقيادة بابكر كرار. حركة التحرير الإسلامي هي طليعة الحركة الإسلامية في جامعة الخرطوم. الذين كتبوا عن (برنارد شو) لا يكتبون بمعزل عن استصحاب انتمائه إلى الإشتراكية الفابية. الذين كتبوا عن الطيب صالح - إلى الآن - لم يستصحبوا إنتماءه إلى تيّار الحركة الإسلامية. الطيب صالح بدوره كان لا يشير إلى تلك الحقيقة. وفي مناخ التحيّزات غير المتسامحة مع الإسلام الثقافي، وأجواء نوبات العداء السياسي للإسلام في الغرب، كان منطقياً لأديب مثل الطيب صالح يعيش في الغرب ويتمتع بكامل الإستحقاق للترشيح لجائزة نوبل، أن يطوي بحذر صفحة ماضيه في انتمائه ونشاطه في (حركة التحرير الإسلامي) فلا يشير لها. حيث يرجع ويمتدّ ذلك الإنتماء والنشاط من نهاية الأربعينات إلى بدايات الخمسينات. عدم إشارة الطيب صالح إلى علاقته بحركة التحرير الإسلامي أو الحركة الإسلامية السودانية، قد تكون بسبب أن الطيب صالح الذكي العبقريّ عاشق الحكمة، قد ضاق صدره الواسع بضيق أفق بعض (الإسلاميين) من كثيري التقوى وقليلي الذكاء، ممَّن لم يطوّروا بعد أفكارهم وذا ئقتهم لكلّ ماهو ليبرالي ووطني وإنساني، ولم تزل (تُجبَّس) عقولهم قوالب حديدية. قد يكون الطيب صالح قد ضاق بالأفكار التي تركت السباحة في الفضاء العرض ل (لمباح)، واختارت ألا ترى الإنسان من خلال (تلسكوب) يُبرِز كمالاته، بل رغبت أن تراه من خلال (مايكروسكوب) تتفرَّس به الإنسان باعتباره جرثومة. أو قد يكون الطيب صالح قد ترك الحركة الإسلامية (تنظيمياً) لأسباب يعلمها وحده. الطيب صالح حتى رحيله كان كثير الصيام كثير تلاوة القرآن، كما جاء في وصفه عند مواراته الثرى بمقابر البكري بأمدرمان. قد يكون الطيب صالح قد ترك الحركة الإسلامية (التنظيمية) مثلما تركها الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس ياسر عرفات والقيادي خليل الوزير أبو جهاد والكاتب أنيس منصور الصحفي الكبير الذي كان عضواً في الحركة الإسلامية المصرية (شعبة أمبابة). الطيب صالح مفخرة السودان الذي عاش حياته محلّ إعجاب العالم، كان متصالحاً مع نفسه متواضعاً دمثاً طيّباً كإسمه. كان كلّ لقاء بالطيب صالح يزيد من محبَّته، إذ يجلس متربِّعاً على عرش التواضع والمحبّة والعرفان، ويتدفق بشاشة ولطفاً وأدباً وأفكاراً. ألا رحمة الله الواسعة على الطيّب صالح الرمز السوداني الإنساني الكبير، الذي رحل بعد أن ترجِمت رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة. كما تعتبر (موسم الهجرة إلى الشمال) إحدى أفضل مائة رواية في العالم. ويعتبر الطيب صالح صاحب الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين. الطيب صالح كنز سوداني ثمين اكتِشف خارج السودان. لكن رغم تسييس جوائز النبوغ، والتحيّز ضد الإبداع، يبقى الطيب صالح رمزاً إنسانياً رائعاً، وتبقى شمسه ساطعة خالدة في الآداب العالمية بكلّ اللغّات، فقد بصم إبهام الخلود على رواياته. كما بصمت على نفسه الراضية وابتسامته الودودة ألوان الوجود وما وراء الوجود. في يوم الثلاثاء 17/فبراير 2009م في الساعة العاشرة مساءً بتوقيت لندن، الساعة الثانية عشر منتصف الليل بتوقيت الخرطوم، كان الأديب العبقريّ بفيض محبَّته المعتادة يقول وداعاً. كما ثوى عبدالله الطيب في مقابر حمد بالخرطوم بحري، وثوي التجاني يوسف بشير في مقابر البكري بأم درمان، كذلك ثوي الطيب صالح في مقابر البكري بأمدرمان. كانت مواراة الطيب صالح الثَّرى صباح الجمعة 20/فبراير 2009م.