استغلال سياسي ومتاجرة بالدم.. حاولت بعض القوى السياسية والأحزاب المعارضة استغلال مقتل المغفور لها عوضية عجبنا في حي الديم بالخرطوم، وتوظيفه سياسياً في صراعها مع السلطة الحاكمة، وأخرجت الحدث من سياقاته الطبيعية، من خطأ ارتكبته قوة من الشرطة تجاوزت المسموح به في القانون وقدرت تقديرات بالغة السوء نتج عنه ما حدث، ولم تكن هناك أي دوافع سياسية وراء الحادث المؤسف، ولا توجد أية ظلال أخرى تجعل من الأحزاب المعارضة والتنظيمات التي تعودت على قطاف الخيبات، تتاجر بدم عوضية وتشعل وتوقظ فتنة لعن الله من أيقظها ..!! من المحزن أن الحادث وقع في ظروف مركبة ومعقدة، من الصعب على ذوي القتيلة هضمها وتفهمها بسهولة بالرغم من أن الجهات الحكومية اتخذت من الإجراءات ما من شأنه معاقبة منسوبيهم واتخاذ الإجراءات القانونية التي تجبر الكسر والضرر وترفع الضيم الذي وقع والأذى الذي لحق.. لكن المؤسف أن أحزابنا والأبواق السياسية، لا تتعلم، فالذي صدر عنها ومحاولاتها التكسُّب من دم عوضية وتصوير الأمر كأنه تصفية عرقية للنوبة واستهداف لهم وغيرها من التُّرهات، هو بمثابة شرخ جديد في التماسك الاجتماعي وفتح جروح دامية وتركها تنزف، فالمسؤولية الوطنية لا تقبل مثل هذا الاستغلال المشين والسيء، لأن السلطة مهما كانت غير خالدة وستذهب يوماً ما، فهل ستتحمل الأحزاب التي تعتقد أنها سترث الحكومة القائمة الآن نتيجة ما تفعله عندما تصوِّر للمجموعات السكانية أنها منبوذة من قبل الدولة ومستهدفة ودمها هريق بلا سبب..؟؟ هل ستقبل الأحزاب إن جاءت للحكم وجود مثل هذه الاحتقانات والانحدارات الاجتماعية والسقوط في قاع الهاوية؟! يمكن للخلاف السياسي أن يصل لحد المصادمة والصراع بشتى صوره، لكنه لا يمكن أن يصل لدرجة التراشق بدماء الموتى والإصرار على بذر بذور الفتنة القبلية والعصبية للعرق والجهة كما تفعل المعارضة الآن، وهي تفقد أهم مقوم من مقومات المسؤولية الوطنية الحقة، وكان بإمكانها المساهمة في تخفيف الحالة النزوعية السالبة، وقد كان أهل العزاء أعقل من كل الأحزاب وأكثر وطنية وهم يصرِّون على عدم استغلال دم ابنتهم بهذا الشكل القمئ المزري... وتوجد قيادات حزبية معارضة لا عمل لها وهي في منصة البطالة السياسية، إلا تصيُّد المناسبات والفواجع ومحاولة استغلالها كما حدث مع تلك الفتاة التي زعمت أنها اغتصبت من قبل عناصر أمنية وقضايا الاعتقالات، ومثل مقتل عوضية وأحداث الديم.. فلا تجدَنَّ حدثاً مثل هذا حتى تجد كريمات المهدي لفحن ثيابهن وطرن لمكانه يلطمن الخدود ويشققن الجيوب، ويتجمع قادة ما يسمى بقوى الإجماع الوطني وجعل ما يحدث حائط مبكى.. المناصير اتفاق ولكن... ما تم التوقيع عليه من اتفاق أمس الأول، لإنهاء أزمة المناصير جهد يستحق الإشادة ويجب أن تتضافر الجهود لإنفاذه والحيلولة دون إفشاله كما حدث في مرات سابقة أُجهض فيها ما يتم التوصل إليه من اتفاق.. ويقضي الاتفاق الجديد الذي توصلت له لجنة حسن عثمان رزق بحضور والي ولاية نهر النيل واللجنة الولائية بعد أكثر من مائة يوم من الاعتصام بميدان أمانة الحكومة في الدامر، مع لجنة الخيار المحلي، على معالجة كل القضايا الجوهرية الرئيسة التي أدت للخلاف وقادت للاعتصام الطويل واعتماد أسلوب الحوار لحل هذه القضية، وقد أثبت المناصير تحضراً راقياً بلجوئهم لأسلوب سلمي في التعبير عن قضيتهم حتى توصلوا لهذا الحل الذي يقضي بتنفيذ الكثير من مطالبهم في الخيار المحلي وقيام الطرق والمدن السكنية والكهرباء والمشروعات الزراعية والتعويضات ودفع قيمة النخيل واستلام الملف من وحدة إدارة السدود والتوطين وقيام هيئة لتنفيذ المشروعات تكون الولاية قيّمة عليها، وتم الإقرار بكل القضايا التي أدت للاعتصام وفجّرت القضية من بداياتها وفي كل مراحلها وفتح مسرب وطريق جديد لمعالجة شاملة لقضايا المنطقة. ومهما كان فإن التحدي الأكبر هو الإنفاذ الفوري لهذا الاتفاق، وإزالة أية عراقيل تحول دون تنفيذه، والعمل على اندمال أي جراح سابقة، فالحوار بالطبع هو السبيل الوحيد للوصول لحل متراضٍ عليه، وغلبت الحكمة على أي شطط وتطرُّف وتشدُّد من هنا وهناك، وينبغي على رئاسة الجمهورية والحكومة الاتحادية تذليل الصعاب وتعويض المناصير ما فاتهم وتحقيق بعض أحلامهم العصيّة التي قدموا في سبيلها درساً يجب الاستفادة منه. كبري الشهيد محمود شريف أضافت حكومة ولاية الخرطوم معلماً جديداً وإنجازاً كبيراً في مدينة الخرطوم بافتتاح الكبري المعلّق الذي سمي على الشهيد المهندس محمود شريف، عند تقاطع السوق المركزي بين شارع إفريقيا وطريق مدني، وقد أوفت حكومة الولاية بما وعدت قبل سنوات قليلة جداً عندما كان المشروع مجرد حلم كتب على ورق ونطق به الوالي عبد الرحمن الخضر. المهم ليس حل الضائقة المرورية وحدها في منطقة مهمة في مدينة الخرطوم، لكن المهم هو اكتشاف قدرة وخبرة الأيدي السودانية التي أنجزت هذا الإنجاز والعمل الضخم، مما يؤهلها ويدفع الولاية بعد هذه التجارب والوقت القياسي في التنفيذ للمضي في تغيير وجه الخرطوم ومعالجة كل أعطابها ومشكلاتها التخطيطية وتنفيذ المخطط الهيكلي الذي يجري تنفيذ بعض مشروعاته. حريق كونجو كونجو الحريق الذي دمّر سوق كونجو كونجو في عاصمة دولة جنوب السودان أول من أمس واستمر حتى نهار أمس، هو حادث غريب، فوراء أكمته ما وراءها!، فالسوق هو من معالم جوبا الرئيسة، له شهرة كبيرة كأكبر سوق شعبي في الجنوب، فيه جميع السلع والبضائع من كل صنف ولون، والتجار فيه إما من السودانيين المقيمين هناك أو من الأجانب الذين وفدوا من دول وسط وشرق إفريقيا «الصومال، كينيا، يوغندا، إثيوبيا»، وقدِّرت الخسائر حتى الآن بأكثر من مائة مليون دولار، حسب مصادر معلومات شحيحة من جوبا، وما تزال الأسباب مجهولة في ظل سلسلة من الحرائق المتواصلة في عاصمة الجنوب قضت على مكتب لرئيس الدولة ومكتب الأمين العام للحركة الشعبية وفندق في جوبا ومقر للحركة الشعبية وغيرها من الحوادث التي أثارت عديد الاستفهامات والأسئلة الغامضة. لكن الأكيد هو استهداف التجّار السودانيين والأجانب، بوجود حالة من الشعور العام ضدهم في دولة الجنوب فالألف متجر التي قضت عليها النيران يملكها تجار سودانيون مقيمون قبل الانفصال وبعده هناك، ويُنظر لهم شذراً في الجنوب، وتعرّضوا لعمليات نهب منظمة خلال الفترات الماضية استهدفت ممتلكاتهم وأموالهم، بل تصادر حكومة جوبا منازلهم وممتلكاتهم ومزارعهم إلى درجة أن نافذة للتفاوض فتحت لدى الاتحاد الإفريقي ولجنة ثامبو أمبيكي لمعالجة ممتلكات وحقوق قدامى التجار السودانيين وبعضهم ولد وعاش في الجنوب، فما بالك بتجار سوق كونجو كونحو. والمحيِّر أكثر أن السوق حرق بما فيه ونهبت بالعربات ما تم إنقاذه من بضائع خاصة أن التجار درجوا خشية من نهبهم في الطرقات وداخل البيوت على حمل إيراداتهم وأموالهم معهم فيتركونها في محلاتهم التي قضت النار عليها تماماً. ويتوقع أن يشهد الجنوب وخاصة الإستوائية تردياً وسوءاً في الأوضاع الاقتصادية والتجارية وندرة في السلع والبضائع والمواد الغذائية وزيادة رهيبة في الأسعار، فضلاً عن رحيل أغلب هؤلاء التجار وقد صاروا في ليلة واحدة بلا شيء ولا يستطيعون تعويض خسائرهم في الجنوب مهما كان. من المنصة إلى الميدان.. لا توجد متعة تعادل متعة قراءة الكتاب الجديد للصحفي والكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل «مبارك وزمانه.. من المنصة للميدان».. وهو آخر كتاب لهيكل الذي تجاوز الثامنة والثمانين من العمر، وكان قد استأذن بالانصراف من عالم الكتابة الصحفية وتلاطم الموج السياسي قبل سنوات بمقال شهير، ربما سئم الحياة السياسية في مصر ولم يكن يستكنه في الأفق ثورة مصر التي اقتلعت نظام مبارك. الكتاب غزيز المعلومات ودقيق التحليل، مشرق اللغة كما هو هيكل دائماً، مستفزز في توثيق وتحليل بعض المعلومات الواردة فيه التي يقف الناس حولها بين مصدق ومكذِّب.. لكن أهم ما فيه أنه كما قال: يحاول رسم صورة لمحمد حسني مبارك من خلال معرفته به والثلاثين سنة التي حكم فيها مصر لماذا وكيف؟ وأعجب نقطة مركزية في الكتاب تروح وتغدو وتتمطى في صحفاته الثلاثمائة وتسع صفحات، يكررها الكتاب كمنصة في اكتشاف ووضع مبارك تحت مجاهر ومناظير المختبر الهيكلي وهي حادثة اغتيال الإمام الهادي المهدي سنة 1970م وملابسات أحداث الجزيرة أبا.