وأعجب منه أن تدريي الشاعر المرهف التجاني سعيد كتب قصيدة بعنوان مدينة من البلاستيك في ديوانه «قصائد برمائية» ومن أبياتها : كانت بوابة المدينة مغلقة وعليها كتبت هذه العبارة : «مدينة من البلاستيك» تجولنا عبر الطرقات وحين مللنا التجول طوينا المنازل بأيدينا لأن المنازل كانت من البلاستيك زرعنا قمحاً في موسم القمر زرعنا ضفادع في موسم الضفادع وزرعنا اوكسجين فلم ينبت لنا منها شيء لان الارض كانت من البلاستيك ويمضي الشاعر في قصيدته في تلك المدينة البلاستيكية التي تصور مدن الانسان العصرية وقد التصق بها البلاستيك وأصبح جزءاً من حقائقها العادية. لقد اكتشف الانسان ذلك المركب المشتق من المنتجات البترولية وأخذ يستخدمه في كل شيء ابتداء من الاثاثات المنزلية إلى البطاقات البنكية. لقد دخل البلاستيك حياتنا دون استئذان ويمكنك الآن أن تتجول في أي قرية من قرى العالم وهناك ستجد أحد المخلفات البلاستيكية. ولا أحد يستطيع أن يعطي رقماً قريباً من الإنتاج العالمي للبلاستيك ولكن اذا كان العالم يفقد كل يوم الف غابة في حجم دار الرياضة فانه بالقطع يكون في مواجهة الف غابة من البلاستيك يومياً بذلك الحجم. والمأساة تكمن في أن معظم نفايات المدن اليوم تتكون من نسبة عالية من البلاستيك وتلك مواد تظل موجودة في التربة دون أن تتحلل أو يصيبها شيء وهي بذلك تخنق الحياة في التربة الصالحة لانها تحجبها عن الهواء . والآن فان الدراسات تشير إلى العديد من انواع البلاستيك التي تسبب انواعاً من مرض السرطان وخاصة مثل تلك الاكياس الرفيعة والتي توضع فيها الاطعمة مثل اللحوم والشحوم. وقد اتضح أن تلك الشحوم تقوم باذابة أجزاء صغيرة من البلاستيك وهذه اذا وجدت طريقها إلى جسم الإنسان من خلال الجهاز الهضمي فإنها يمكن أن تتسبب في اورام خطيرة. وقد تحركت الصناعة اخيراً في إنتاج انواع من البلاستيك الذي يتحلل بيولوجياً ويذوب في التربة لانه يحتوي على مواد عضوية متحللة ولذلك يشيرون اليه بالبلاستيك المتحلل بيولوجياً BIODEGRADABLE . الا أن مثل ذلك البلاستيك لا يصدر للدول النامية بل يظل في متناول الدول الصناعية التي تود أن تحتفظ ببيئة نظيفة. وما يشار إليه اليوم بالبلاستيك العضوي جاء في نشرة معهد الأبحاث البلاستيكية التي تقول: «أيقنت الدول الصناعية حتمية تناقص احتياطات البترول مع مرور السنوات، ونتيجة لارتفاع الأسعار، واعتماد الكثير من الصناعات التحويلية التي تدخل في تركيب عدد كبير جداً من المنتجات بدأ البحث عن حلول معقولة ويقترح بعض الكيميائيين تطوير تكنولوجيا ما يعرف باسم «البلاستيك العضوي» المصنوع من النباتات ومن البكتيريا وهو مادة مطاوعة وتعادل تماماً البلاستيك المركب، كما أنه قابل للتحلل بيولوجياً في زمن قياسي ما يعني التخلص أيضاً من مشكلة بيئية تمثلها مخلفات البلاستيك الكيميائي ويعتقد الكثير من الباحثين الذين صبوا اهتمامهم على هذا النوع من الصناعات أن الصناعة مقبلة على ثورة صامتة لأن البلاستيك العضوي يعد مادة خفيفة مطاوعة ومقاومة في الوقت نفسه، كما أن المواد المصنعة منه لا تختلف في شيء عن البلاستيك المتداول من دون أن تدخل في صناعته أي مادة ذات أصل نفطي بل هو قادم من نباتات مثل الذرة والحنطة والبنجر أو حتى من البكتيريا. ويسود تفاؤل بين الباحثين أن تقود هذه التكنولوجيا إلى تطوير بديل عضوي عن البترول وحماية البيئة من التلوث لاسيما وأن المادة البيولوجية يمكن أن تعطي الكثير من المواد مثل النيلون والأنسجة والمواد التي تصنع منها الأقراص المدمجة وتجبير الكسور باستخدام مثبتات يمكن أن تذوب وتلفظ عبر مجرى الدم بمجرد التحام العظم. إننا إذاً إزاء إنجاز تكنولوجي يقوم أساساً على احترام البيئة والتخلص من الفضلات المتزايدة التي أصبحت تشكل مصدراً خطراً على االحياة. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.