التحية والتجلة لأولئك النفر الذين تركوا دُورهم وذويهم وراء ظهورهم ليدافعوا عن ثغور الوطن الكثيرة في جنوب كردفان وجبال النوبة وبحيرة الأبيض وهجلي ثم تلودي، فمنهم من قضى نحبه في ميدان التقال شهيداً بإذن الله ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، يدافعون عن أوطاننا وأعراضنا وأموالنا وقبل ذلك كله عن عقيدتنا فحق لنا أن نفخر بالجيش وبالدفاع الشعبي وأن نقف وراءهم مساندين ومعاضدين «فمن جهز غازياً فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» الحديث، إذًا فعلينا واجب عظيم كمواطنين على اختلاف طوائفنا الدينية ومشاربنا السياسية وأقاليمنا الجغرافية فلنساندهم بالقول والتشجيع ولا نفت في عضدهم ولنساندهم مادياً، ولم لا نجمع في كل يوم جنيهاً على الأقل من كل سواد الشعب موظفين وعمال وطلاب وتجار عبر آلية نزيهة ولنكل أمر جمع هذا المال إلى لجان مستقلة من رجالات الدين المشهود لهم بالنزاهة والأمانة و«هم كثر» ممن لم تحُم حولهم شبهة الفساد والإفساد وليذهبوا بهذا المال إلى أسر الشهداء نقداً كان أو عرضاً حسب ما تقتضيه الحاجة ونكون بذلك قد حمينا ظهره ونلنا فضل الجهاد بتجهيز الغازي بإذن الله وهذا أقل ما يمكن أن تقدمه لشخص يحمل السلاح أمام دارك التي يحيط بها الأعداء وأنت بالداخل تنعم بالأمن والرفاهية. نعم إن واجبية الجهاد لتتسع وتضيق بحسب ظروف الحرب حتى تعم القطر كله وكل من يستطيع أن يحمل السلاح من أبناء الأمة وما تخوضه قواتنا هذه الأيام من حرب عصابية في نقاط كثيرة يجعلنا متيقظين حذرين «فمن مأمنه قد يؤتى الحذر» فالمخطط الذي يرسم ضد هذه البلاد أكبر من تصور الشخص العامي وأعقد من أن يدركه نصف متعلم فاليقظة.. اليقظة.. ولات ساعة مندم ولات حين مناص فالوطن ليس ملكاً لحزب ولا جماعة ولا طائفة تتحكم في قضاياه المصيرية بمزاجية دون روية أو تمحيص «واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة» الآية، فالشر إن أتى عم وطم و قد تقاعست أحزاب وطوائف متدثرة بثوب الشماتة وكادت تقول للنظام: اذهب أنت والجيش فقاتلا أما نحن فهاهنا قاعدون، في سلبية خانعة ومروءة مسلوبة وقد كتبت في الخليج وقتها بتاريخ الأحد 24/4/2005م موضوعاً بعنوان «سبع صرخات من أجل الوطن المهدد» وفيه حذرت ونبهت إلى كثير مما يدور الآن وكان سوق الجنائية ساعتها على أوجه لكنني كنت أنظر بعين الزرقاء، وقتها دعوت المغتربين للعودة للوطن لحاجتنا الماسة للكثرة العددية للدفاع عن الوطن وقد رماني بعضهم بتحميل التشاؤم ما لا يحتمل.. إذن فالجيش يحتاج إلى مزيد مساندة وتعاضد وأن لا يفت الناس عضده ويُضعفوا معنوياته باتفاقيات وأطروحات من أمثال الحريات الأربع وما شاكلها، تلك الحريات التي لاكها الناس ثم تفلوها في وجه التخاذل والخنوع والاستسلام، ولقد عجبت كثيراً كيف يعود المفاوضون متأبطين الخطرفات الأربع على حنكة الوفد المفاوض ومنهم الأستاذ سيد الخطيب، الذي كان يقدمه الاتجاه الإسلامي إبان انتخابات المجلس الأربعيني لاتحاد جامعة الخرطوم في اواخر السبعينيات بأنه مفاوض بارع وخطيب مفوه وصحفي مع آخرين كان أقلهم يتوكأ على البندقية ويستاك بالبارود وكان سيد ساعتها يدرس العلوم بالجامعة وكنا في مدارج كلية الآداب العريقة، وفي ليالي الجامعة السياسية ومنتدياتها الفكرية كان يصنع القادة الذين سيقودون هذا الوطن فيما بعد، وهل يا ترى كان الوفد المرسل يحتاج إلى مفاوضين بارعين؟ لا، بل كان يحتاج إلى دهاة لأن الحركة أرسلت دهاتها من مثل باقان ورفاقه، ألم يرسل عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» داهية العرب عمرو بن العاص لمفاوضة الفرس؟!! وقال قولته المشهورة: رمينا أرطبون الفرس بأرطبون العرب والأرطبون: الداهية بلغة الفرس»، وهو القائل: لست بغرّ، والغر لا يخدعني. ومن بعد.. «فالرائد لا يكذب اهله» وكمواطن تعجبت، كيف وافق المجلس التشريعي بقضه وقضيضه على ما رجع به وفدنا وليعلم الجميع أنه لو هلك نصف الوطن بشراً ومالاً وبقي نصفه عزيزاً مكرماً لكان خيراً له. فلولا الله ثم أقلام الغيورين المتنبهين من أبناء الوطن وعلى رأسهم منبر السلام العادل لكدنا أن نقع في حمأة نتنة لا نخرج منها أبداً، وقد تحدث أناس عاذرين الوفد المرسل لأديس ابابا في اجتهاده فالوفد ليس معاذ بن جبل وأديس ابابا ليست اليمن فحين ربت صلى الله عليه وسلم على صدر معاذ لقوله: «اجتهد رأيي ولا آلو» كان ذلك في ما لا نص فيه من الكتاب والسنة ولكن أمر الحريات الأربع لو بحثت له عن أدلة تحريم لأتيت بالكثير . وأكاد أقترح بقيام مجلس تشريعي في الهواء الطلق تشارك فيه ألوان الطيف السياسي والاجتماعي وأساتذة الجامعات والمستنيرون لمناقشة الأمور المصيرية التي تهم الوطن بعيداً عن أمزجة الأحزاب واللجان ولو فعلنا هذا قبل نيفاشا لاستطعنا أن نتدارك عثرات كثيرة ومطبات عديدة وقعنا فيها نتيجة العجلة والانفرادية وشربنا «للمديدة وهي حارة» فكان ما كان، فلا تضعوا حبل المشنقة مرة أخرى حول أعناقنا بعد أن عافانا الله بالانفصال ولا ترفسوا نعمته التي أنعم، وعلى التائهين أن يفركوا عيونهم ويشنفوا آذانهم فقد غنى الجيش مع عبد الرحيم محمود: سأحمل روحي على راحتي وارمي بها في مهاوي الردى فإما حياة تسر الصديق وإما مماة تغيظ العدا وقبل أن أنهي هذا المقال أود أن أشير إلى جزء من المخطط المعد وهو الهى الناس عن قضية دفاع الوطن بما يسمى الغلاء المعيشي فالجالسون حول صاحبات الشاي وعلى مقاعد المواصلات يتحدثون عن غلاء اللحم.. الخبز.. الدجاج.. الخ، نقول لهؤلاء لا أكلتم ولا شربتم إن كان الجيش يحمل روحه على راحته من أجل هذا التراب وأنتم مشغولون بما تطعمون وما تشربون أما علمتم أن الخائف لا ينعم بطعام ولا يهنأ بشراب؟ وقد صدق علكيم قول الشاعر: مالي أراكم نياماً في بلهنية وقد ترون شهاب الحرب قد صدعا ومن بعد فيا أهل الحل والعقد، لا تقطعوا رأياً في الأمور المصيرية العظيمة من غير أن ترجعوا إلى الشعب كله، فالأب الذي يأتيه خاطب ابنته لا يقطع له برأي إلا بعد أن يمكث أياماً يقلب الأمر ويتدارسه. ثم يقطع وفدنا رأيه في الحريات الأربع في ليلة واحدة بأديس ابابا، فلا تلدغوا من جحر الحركة الشعبية مرتين ولا تكونوا «كمجير أم عامر» أتأوون الضبع في دوركم وتطعموها فوالله لتبقر بطونكم واحداً واحداً. وأخيراً يظلنا وإياكم الخليفة الراشد: «لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تقبلوها».