المعاناة... بقدر ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ نجدها تتجسد في حال مبدعينا اليوم، وكاذب من يقول إنه يعتقد في زمانا هذا بالمثل القائل «المعاناة تولد الإبداع» في معناها النسبي وليس المطلق!!إن قضية معاناة المبدعين السودانيين ظلت في الآونة الأخيرة تبرز على سطح المشهد الثقافي والاجتماعي في البلاد بصورة متكررة ومقلقة، وفي كل يوم ينعى الناعي مبدعًا كان فينا وبيننا وانتقل إلى الرفيق الأعلى.. وكثير منهم عانى ما عانى في حياته من مرض وفقر وإهمال.. وهو في صمت متعفف من مد اليد إلى أحد أو لجهةٍ ما.. ونحسب وليس بخافٍ على أحد منا أن المبدع والفنان السوداني من أفقر مبدعي وفناني العالم ..!! الحردلو.. طبل العز ضرب!! من المفارقات والمحزنات عندما تقرأ أشعاره تجدها من الوطن وإلى الوطن، ويتباهى بوطنه الذي إذا ضربت طبوله يخرج الخير والعطاء وينفرج الضيف، ومن المؤسف أن شاعرًا مثل الأستاذ سيد أحمد الحردلو يعلن عن بيع نصف منزله لكي يسدد تكاليف العلاج ومستلزماته الطبية علمًا بأنه مصاب «بالفشل الكلوي» شفاه الله.. ويحتاج إلى الغسيل بصورة مستديمة. لفترة من الزمان والوقت ظللت اتصل عليه لتحديد موعد وكان يتهرب لأسباب قدّرتها تمامًا عندما نقلها لي مقربون منه... فاستأذنا الحردلو رغم مرضه وقله حيلته تعفف من مد اليد وظل صابرًا على مرضه ومحنته حتى يحين ميقات الفرج.. وما لا يمكن تجاوزه هي السيرة الذاتية التي تنصع تاريخ السودان وما إن يذكر الإبداع في الوطن إلا ويطل اسم الأستاذ سيد أحمد الحردلو بكل دبلوماسيتها ونثرها. أبوقطاطي.. الفينا مشهودة!! الفينا مشهودة عارفانا المكارم أنحنا بنقودا والحارة بنخوضا الزول بفتخر يباهي بالعندو نحن أسياد شهامة والكرم جندو ما في وسطنا واحداً ما انكرب زندو البعجز بيناتنا بنسندو الليلة بنخوضا... * الشاعر محمد علي أبوقطاطي هو أيضًا يعاني من المرض الذي شلّ حركة سيره وجعلوه مسجونًا في جدران منزله بكرري العجيجة «لا حول له ولا قوة»، وأبوقطاطي الذي أنشد أروع الأعمال التي مجّدت الكرم والثناء على صدر هذا الوطن .. هو الآن ينتظر !! والآن ينطبق عليه قوله وكأنما فصل عليه تفصيلا... في رائعته «الشائل هموم الناس وهمو العندو غالبو يشيلو. أنا سوداني.. الشاعر محمد عثمان عبد الرحيم صاحب النشيد الذي شكّل وجدان الشعب السوداني بمكوِّناته حيث يتفق الجميع عنده هو أيضًا في مدينة رفاعة ينتظر التقدير والتكريم الذي يستحقه ولا غير!! سيف الدسوقي.. محبوب امدرمان!! بجسمه النحيل، وبقامته الممشوقة كما النخيل جاء يتكئ على عصاه ويسنده اثنان من مرافقيه، وما إن دخل إلى قاعة الصداقة فالتفتت إليه جميع الأنظار مجتمعة علي حضوره، رغم التخوف الذي دأب في نفوس اللجنة المنظمة لاحتفال مهرجان ملتقى النيلين الأول.. ويبدو أنه جاء بآخر ماتبقى له من عشق لهذا الإبداع فالمرض تكالب عليه ونأمل أن لا يعجز يومًا عن المشاركة في مثل هذه الفعاليات... تغافلت عنه الدولة كآخرين لا يسع المجال لذكرهم فردًا فردًا وبدورنا نضع حزمة من الأسئلة منها أين دور الاتحادات والتي تقوم برعاية منسوبيها؟. التشكيليون لا حياة لمن تنادي! صرخة صامتة تخرج بين الفينة والأخرى من قبيلة التشكيليين التي ابتُليت بكثير من المحن.. وفي اتصال هاتفي مع رئيس اتحاد التشكيليين الأستاذ عبد الرحمن مدني مع «نجوع» حول معاناة المبدعين قاطعني قائلاً: نحن الآن نحاول في تكملة إجراءات سفر لفنان تشكيلي لكي يتعالج بالقاهرة، ثم قال أنا أعزو أزمة المبدعين إلى أن الدولة لم تستطع أن تُدخل المبدعين في مظلة التأمين والعلاج بوضع اعتبارات خاصة لهم... وأوضح مدني أن نسبة المبدعين لا تتعدى «5%» من النسبة الكلية، وقال: رغم أن نسبة المبدعين قليلة إلا أن الدولة فشلت في توفيق أوضاعهم، وشكا مدني من تجاهل الدولة لكل المقترحات التي يتم تقديمها للدولة، وقال إن التوصيات والمقترحات لا تجد طريقها على أرض الواقع. وطالب في ختام حديثه بضرورة إعادة النظر في قانون رعاية المبدعين وأن تتعامل الدولة بجدية مع المقترحات التي تقدَّم. * صندوق دعم المبدعيين.. حدِّث ولا حرج!! لوقت ليس بالقصير ظلت الصحف تناشد وزارة الثقافة الاتحادية وضع حل نهائي وعاجل لمسألة صندوق دعم المبدعين، وفي تصريحات متفاوتة اعتبر مبدعون أن الصندوق عبارة عن لافتة لا غير واتهموا أمين عام الصندوق بالمحاباة في توزيع الدعم، وشكك آخرون في أن الصندوق يقوم بدعم جهات ليس لها علاقة بالإبداع. إذًا.. تتجدد الدعوة والمطالبة لوزارة الثقافة بعمل مراجعات عاجلة وجذرية في الإدارات التابعة لها. خروج هذه نماذج قليلة فقط أردنا ان نقدمها كأمثلة ولكن في كل يوم تشرق فيه شمس يجب أن نعرف أن هناك من يتنظر الفرج، ونطالب الدولة بأن تولي قضية قانون رعاية المبدعين الأهمية فقد كثرت الأصوات مؤخرًا حول إعادة النظر.