بعد التصريح الساخن جداً المنسوب للدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية والذي يقول إن حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي يبقى صمته عن الهجوم على هجليج مؤخراً من قبل قوات الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب وسكونه في هذا الوقت يبقى خيانة وطنية، بعد هذا التصريح المدوي لمسؤول رفيع جداً في الدولة استنطقت بعض الصحف السيارة الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي حول خروج الترابي غاضباً من اجتماع بسبب إدانة أحد المجتمعين للهجوم على هجليج، وكانت الإدانة من القيادية بحزب الأمة القومي الدكتورة مريم المهدي.. نفى الأمين السياسي أن يكون الترابي قد خرج من اجتماع للمعارضة غاضباً بسبب ما ذكرناه آنفاً.. لكن مع ذلك لم يسعه هو أن يُدين «الهجوم الغادر» غير أن قال: «اتفقنا على أن منطقة هجليج شمالية وتقع في دولة السودان».. لكن يبدو أن الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي يريد أن يتهرّب من إطلاق تصريحات وطنية لا بد أنها تتصادم مع صداقة حزبه مع الحركة الشعبية، وذلك بإغراق ما حدث من الأخيرة في هجليج من اعتداء تقف وراءه الاستشارات الأجنبية وإغراقه في ما سمّاه بأزمة السودان الكلية حيث قال: «إن المؤتمر الشعبي والمعارضة كلهم يتحدثون عن أزمة السودان الكلية في الحكم والتي نتجت من جرائها الحرب بسبب سوء إدارة الحكم».. انتهى.. إن هذا الكلام كان أولى أن يصدر من رئيس الوزراء المنتخب عام «1986م» الصادق المهدي ليبرر ما يقوله بأن مرحلة الترابي التي جاءت عام «1989م 1999م» بعد انتزاع الحكم الديمقراطي منه وضعت البلاد في مرمى استهداف القوى الأجنبية بصورة مباشرة وواضحة واستفادت منها الحركة الشعبية على حساب أمن واستقرار الوطن.. لكن أن يصدر هذا الكلام من عضو حزب يتزعمه الترابي صاحب القدح السياسي المعلّى في مرحلة العقد الأول لهذه الحكومة، وهي المرحلة التي شهدت أسوأ إدارة للحكم في السودان، وكأن المسؤولون فيها كانت أعمارهم دون العشرين، أي كأنما كان يحكم البلاد منتخب الناشئين لما شهدناه من مراهقة سياسية وانفعالات صبيانية، أن يصدر هذا الكلام من الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي فإنه إذن صاحب جهالة سياسية، أو أنه قبل إبعاد الترابي من دوائر الحكم ليكون صيداً ثميناً للقوى السياسية والعلمانية ما كان هذا الأمين السياسي على علاقة بالحركة الإسلامية أو حتى الحزب الحاكم المؤتمر الوطني وإن كان هو حزب مفتوح بدون شروط عضوية، ويكفي أن يكون العضو مواطناً سودانياً.. ولا بأس في هذا إذا كان المقصود هو الكسب في سوق الانتخابات.. وما يجدر ذكره هنا أن المؤتمر الشعبي يقع في خلط قبيح فهو يدعي أنه يمثل الحركة الإسلامية وليس المؤتمر الوطني أي أنه حزب الحركة الإسلامية، لكن المفهوم لطلاب المستوى الثاني علوم سياسية هو أن الحزب الحاكم كيان سياسي جماهيري مفتوح للمسلمين وغير المسلمين، وشبه العلمانيين، أما الحركة الإسلامية فتشكل قيادته الصلبة وجزء مقدر من قاعدته، والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي إذ إدعى أنه يمثل الحركة الإسلامية فهذا يعني أنه حزب غير مفتوح للجماهير فهو حزب الحركة الإسلامية، ومعذرة لغير الإسلاميين إذا أرادوا الانضمام إليه بصفة غير إسلامية، لكن يمكن التعاون معهم في تحالف جوبا مع باقان وعرمان والحلو وعقار من أجل إسقاط المؤتمر الوطني هذا هو المنطق السياسي المضطرب الذي يتحرك به المؤتمر الشعبي في الساحة.. ويقول الأمين السياسي لحزب الترابي: «إن عمليات التعبئة العامة التي يقوم بها المؤتمر الوطني لصالح الحزب وليس لصالح الوطني».. انتهى.. والسؤال هنا لماذا لم يقم حزب الترابي بتعبئة عامة لصالح الوطن ولو بالتصريحات؟! ثم ما المطلوب من الدولة أن تفعله حتى لا تكون التعبئة لصالح الحزب الحاكم وتكون لصالح الوطن؟! ويقول: «نتبنى في المؤتمر الشعبي المطالبة بوقف الحرب بين الشمال والجنوب والرجوع لطاولة المفاوضات».. انتهى.. ترى أية جهالة سياسية مثل هذي؟! وهل رفضت الدولة التفاوض؟! ألم تستقبل باقان بالموسيقا والرقص؟ إن مثل هذا الأمين السياسي في حزب الترابي لا يمكن أن يكون مثل مريم المهدي في حزب الأمة أو د. علي السيد في الاتحادي الديمقراطي أو حتى فاروق أبو عيسى الذي حرّض مع زملائه الشيوعيين نميري على ضرب الجزيرة أبا وود نوباوي لقتل الأنصار باعتبارهم يمثلون الرجعية وحزبه الشيوعي يمثل التقدمية.. إن الأمين السياسي لحزب الترابي يكثر الحديث عن إشراك القوى السياسية في الحكم أو قرارات الدولة وكأن الذين يحاربون السودان ويعتدون على أراضيه ويحتلونها يشترطون إشراك معارضين مثل الترابي والصادق في الحكم للانسحاب والكف عن العدوان، أو كأن هذه القوى المعارضة صاحبة تحالف جوبا تملك جيشاً جرّاراً يمكن أن تصد به أي عدوان لعصابات الحركة الشعبية.. ما هذه الجهالة السياسية؟