امتلأ الفضاء بالعديد من القنوات الاعلامية التي أضحت بصورة أو بأخرى تؤثر، بل وتعمل على تشكيل الرأي العام العالمي تجاه ما يدور في أي منطقة من العالم. وأصبح الإعلام منذ فترة ليست بالقصيرة هو الذي يحدد تمامًا وبدرجة كبير ة مدى أهمية أي حدث ومدى صدارته على ما عداه من أحداث حتى وان كان في حقيقة الأمر وعلى أرض الواقع شيئًا مختلفًا تمامًا عن ذلك. والكثير من الأحداث تقف شاهدًا على هذه الحقيقة، فكم من أشياء وأحداث تم التعتيم عليها، أو صبغها بغير ما هي عليه من قبل الإعلام فاستحالت في أذهان كثير من الناس إلى الصورة التي أُريدت لها من قبل هذه الأجهزة بغض النظر عن الحقائق التي هي عليها. وهذا ما يجعل من الأهمية بمكان أن تسعى أي جهة صغرت أو كبرت إلى امتلاك آليتها الإعلامية النافذة والمؤثرة حتى تستطيع أن تخاطب العالم وأن تصنع لها مكانًا تحت الشمس دون أن تكون تحت رحمة الآخرين. فإن ما أصبح يدير العالم الآن، ويدور حوله كل شيء بالتالي، هو امبراطوريات ضخمة من المؤسسات الإعلامية التي هي أشبه ما تكون بمراكز بحثية، لا يتم فيها تناقل وتداول الأخبار والأحداث فقط بمعزل عن العوامل والمؤثرات وبالضرورة النتائج التي تؤدي اليها وعليه فقد اتسع ماعون الإعلام ليشمل خدمات يمكن أن توفر للمتلقي كل ما يحتاج اليه حول أي موضوع. فإنتاج المادة الإعلامية أصبح أشبه ما يكون بإنتاج أي شيء صناعي آخر لابد له من توفر كل المدخلات المطلوبة وإلا أصبح منتجًا مشوهًا لا قيمة حقيقية له وبالتالي لا يُقبل عليه أحد ولا يتفاعل معه. وأضحت الصناعة الإعلامية عملية لها قواعدها وأصولها، بحيث إنه وفي ظل التنافس القوي والاستقطاب الحاد الذي أصبح سمة عالم اليوم، فإن عدم الالتزام بهذه القواعد يعرض المؤسسات الإعلامية أيًا كانت إلى خسائر فادحة على كل المستويات، وأولها فقدانها لقاعدتها الجماهيرية التي أصبحت ونتيجة لتراكم الخبرات انتقائية في كل ما تتعرض له، ولا تتقبل بسهولة كل ما يقدم لها. ولقد بنت الكثير من هذه المؤسسات على مستوى العالم جسور التواصل بينها وبين متلقيها عبر تقديم الخدمات الإعلامية المتكاملة إضافة الى الفورية في عرض وتحليل الأحداث مهما بعدت مكانيًا أو تعقدت حيثياتها، وهو الشيء الذي تميزت واستطاعت عبره العديد من المؤسسات الإعلامية العريقة أن تجتذب إليها جمهورًا عريضًا لم يزل يدين لها بالولاء «والاستماع والمتابعة لبرامجها» برغم الانفتاح الإعلامي الكبير الذي شهده العالم ولا يزال. لقد أصبحت المعلومة في عالم اليوم هي الخبز وهي الحياة برمتها وأصبح الذي لا يمتلك هذه المعلومة وبالضرورة لا يملك أن يسوقها، هو كيان خارج سياق الزمان والمكان مهما بدا له غير ذلك. وتتأتى أهمية هذه المعلومة في عالم السياسة الدولية من كونها تلعب الدور الأعظم في التأثير على الرأي العام العالمي الذي أضحى يملك القدرة على تغيير كثير من مجريات الأمور، خاصة في ظل اعلام عالمي أصبح مسيسًا بدرجة كبيرة لخدمة القوى العالمية الكبرى ولم يعد اعلامًا نزيهًا أو حتى محايدًا بل هو مستقطب الى أقصى درجة، حتى على المستوى الاقليمي. نقول هذا وبين أيدينا الآن التغطية الإعلامية الدولية ولا نقول العالمية، لما ظل يدور بين الخرطوموجوبا منذ يناير الماضي، بداية تفجر الأزمة النفطية حول رسوم العبور ووصولاً إلى الأحداث الأخيرة التي صعدتها جوبا إلى أعمال عدائية عسكرية أدخلت كل شيء في نفق هو مظلم بطبيعته فزادته ظلامًا على ظلام. نقول درجت العديد من الفضائيات العالمية التي تشكل حضورًا في الفضاءات عالميًا وعربيًا، ومنذ تفجر الأزمة عسكريًا على الأرض الى غض الطرف عن الاعتداءات التي تمارسها جوبا ضد السيادة السودانية والاستهتار والإعراض الذي تتعامل به مع المناشدات الدولية بضرورة سحب قواتها من الأراضي السودانية، في مشهد أعاد للأذهان الطريقة التي يتعامل بها الكيان الصهيوني مع المجتمع الدولي في كل ما من شأنه أن يقلل من مكاسبه في المنطقة العربية، وهو ما يدل دلالة واضحة على أن الأمرين لا يخرجان الا من مشكاة واحدة ولا عجب في ذلك... ولكن العجب هو أن تتغاضى هذه الأجهزة الإعلامية عن الحقائق الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار فتتجاهل اعتداء جوبا على هجليج واحتلالها، وتبرز لقطات لبعض الجرحى والذين تصفهم بأنهم مدنيون تقصفهم الخرطوم في العمق الجنوبي كما فعلت احدى الفضائيات الأوربية أمس الأول.. إنها لعبة الإعلام الذي أضحى يسيطر على كل شيء، ويدير كل شيء في العالم وما لم نتنبه لذلك ونوفي الأمر حقه من الاهتمام فإن سيطرة الحقائق الوهم «وهي الواقع الذي يستند الى حقيقة واحدة وعشر كذبات» ستظل تدير عقلية العالم الذي لن يستطيع أن يصل الينا الا اذا تقدمنا نحن نحوه اعلاميًا وهي الوسيلة الوحيدة للخروج من عنق الزجاجة المعلوماتية التي نجد أنفسنا محشورين فيها عقب كل حاجة حقيقية لنا كي نُسمع شعوب العالم صوتنا. نحن الآن بحاجة الى طرح الخلافات جانبًا كما تفعل كل الشعوب التي تحترم أوطانها خاصة على مستوى الأسرة الإعلامية «والتي يتصاعد غبار معاركها الداخلية حاليًا في توقيت سيء للغاية»، ذلك أنها تحمل العبء الأكبر في المعركة داخليًا وخارجيًا، والحاجة أكبر لإعادة تحديد مفهومنا نحو إعلامنا وخاصة الدولي من أجل خلق خطاب يرقى الى تحديات الراهن بكل اشكالياته المتداخلة والمعقدة كثيرًا.. وهو أمر ليس بالعسير اذا صدقت النوايا وجدّ العزم. !!