عندما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يرد كيد الأحزاب في معركة الخندق المشهورة شغلته الحرب والإعداد لها عن صلاة العصر فلما تنبه دعا ذلك الدعاء المشهور قائلاً: «لقد شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم ناراً». واليوم وأنت تقرأ الحلقة الثالثة في الرد على هؤلاء الناشطين والناشطات والعلمانيات والعلمانيين ألا تشعر بأننا ربما شُغلنا بهم أو اشتغلنا بهم أكثر من اللازم؟ ألا ترى أن جراح الوطن نازفة في الجنوب والشرق والغرب؟ وهؤلاء مشغولون بالباطل وبالدولار وبالمعارك التافهة الخاسرة التي يخوضونها ضد خالقهم وضد نبيهم وضد أمتهم بالوكالة عن الشيطان وحزب الشيطان.. هل نقول لقد شغلونا عن هجليج وتلودي وكاودا فعل الله بهم كذا وكذا وملأ منهم كذا وكذا؟ ألا ترى أنهم من بني جلدتنا ويحملون أسماءنا ويتكلمون بلساننا ويزعمون أنهم على ديننا وملتنا ولكنهم ينصرون عدونا.. ويثلمون جدار أمننا وعزتنا وعقيدتنا.. إن المجمع الفقهي لا يزال يعمد إلى المخالفات المحتملة في وثيقة السكان ويستخرجها ببراعة تدهش الذين عكفوا على صياغتها والتدليس بها ومحاولة تمريرها.. ما زلت أذكر العبارة التي قالها الحاكم النيسابوري عن الإمام محمد بن إسحق بن خزيمة أنه يستخرج الثلث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمناقيش. وذلك من حدة البصيرة وجودتها لا من حدة البصر ولا من جودته.. وهكذا يفعل المجمع الفقهي مع الوثيقة السكانية البائقة. لما جاء المجمع إلى باب الأهداف وقف وقفة طويلة في محور التحول الديموغرافي.. وأورد أربع عبارات هي: معدل الإعالة والهيكل العمري للسكان. السلوك الإنجابي. خدمات الصحة الإنجابية. تنظيم الأسرة. وقال مجمع الفقه الإسلامي معلقاً على هذه العبارات: هذه العبارات تحمل إشارات غير واضحة وتحمل دلالات مضمون يرتبط بمفهوم اتجاهات الخصوبة أو سياسة خفض السكان.. وهذه المؤشرات لا توافق قيم الدين الإسلامي والتشريعات الدستورية والقانونية في السودان. وينتقد المجمع بعض الترجمات ويتهمها بعدم الصحة وعدم الدقة ويضرب لذلك مثلاً بالصحة الإنجابية ويرى أن عبارة صحة توالدية أكثر ملاءمة وأكثر دقة. كذلك أشار إلى أن عبارة «خدمات الصحة الإنجابية» تشمل خدمات الإجهاض وقال قد يكون استخدام مصطلح «العناية بالصحة الإنجابية» بديلاً مناسباً. قلت: لا بد أن يكون المجمع الفقهي يقصد «العناية بالصحة التوالدية» لأن بدءًا قد نقد مصطلح «صحة إنجابية» واستبدله «بصحة توالدية». ويستخرج المجمع الفقهي نكتة عقدية من الوثيقة بالمنقاش فيعلق على عبارة الوثيقة «خفض معدل الوفيات» «خفض معدل وفيات الأمهات» و«خفض معدل وفيات الأطفال» ويستبدل بها عبارة «خفض أسباب معدل الوفيات» ويقول نلاحظ من ناحية اللغة لاعتبارات عقدية شرعية استخدام كلمة «أسباب».. إن الذي يريد أن يقوله مجمع الفقه الإسلامي هو أن السياسة أو الوثيقة أو الدولة أو الدنيا بأسرها لا تستطيع أن تخفض معدل الوفيات ولكنها ربما تستطيع أن تخفض الأسباب لأن الأعمار مكتوبة ومسطَّرة ولا تزيد ولا تنقص وكل ذلك من أقدار الله وتصاريفه. وكذلك الحال بزيادة العمر.. وهذه مباشرة أكثر من سابقتها. هذا كله يمثل نقداً قاسياً للوجدان الذي صدرت عنه هذه الوثيقة فلو كان عامراً بهذه المعاني ما احتاج إلى من يرده إلى جادة الصواب من كل هذا المعدل الكبير من العبارات والاختيارات. وفي موضوع الأسرة يستدرك المجمع على الوثيقة وينبه إلى فقرة مراجعة التشريعات الخاصة بتكوين الأسرة والزواج ويطلب إضافة جملة «وفق أحكام الشريعة الإسلامية» لأن المطالبة بمراجعة هذه التشريعات دون ضبط المراجعة بالعبارة التي أوردها المجمع الفقهي تدل بالضرورة على الاعتراض على أحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بالأسرة!! ويطلب المجمع الفقهي تحديد مفهوم الأسرة حسب التصور الإسلامي: ويقول: تتكون الأسرة من رجل وامرأة بعقد شرعي بكامل أركانه وتترتب عليه حقوق وواجبات الزوج والزوجة والذرية والأصول والفروع والعصبة والأرحام. وفي موضوع المرأة يقف المجمع الفقهي عند مفهوم تمكين المرأة ويطالب بإضافة عبارة «التي تكفلها لها الشريعة الإسلامية. وفي موضوع الأطفال الذي جاء في الوثيقة يقول المجمع الفقهي تعليقاً على فقرة خفض نسبة ختان الإناث: التحريم القانوني لختان الإناث يخالف الرأي الفقهي عند علماء المسلمين القدماء والمحدثين. ويطلب المجمع عبارة «نشر الوعي بختان الإناث وتشجيع الامتناع الطوعي عن ممارسته». ولأول مرة يكون المجمع متساهلاً مع الوثيقة.. ومتساهلاً جداً لأن الرد على الوثيقة أرفقت معه فتوى للمجمع حول الختان صادرة عام 2005م تقول: رابعها: إذا تبين ذلك علم أن فعله خير من تركه وأنك أيها السائل لو فعلته فقد أتيت بأمر واجب أو مستحب. وحصلت في ذلك أجراً عظيماً إن شاء الله. ويقيني أن مجمع الفقه الإسلامي لم يتعرض بالتفصيل لكل الترهات الواردة في الوثيقة القومية للسياسة السكانية عام 2010م ولو فعل لأراق مداداً وملأ صفحات.. ولكنه ربما استغنى بالضوابط التي اقترحها مثل ومن أحكام الشريعة الإسلامية. فهو مثلاً لم يذكر في تقريره فقرة تعميم خدمات شرطة حماية الأسرة والطفل وهي حماية من العنف المفترض لدى هؤلاء الناشزات من الأب يعني المرأة تطلب الشرطة لزوجها والطفل يطلب الشرطة لأبيه!! وكذلك فإن على المجمع المفقهي أن يقف عند عبارة «إزالة العنف ضد المرأة» وأول أنواع العنف ضد المرأة الذي ترمي إليه الوثيقة هو سن الزواج والولي والقوامة!! وكذلك عبارة القضاء على التمييز ضد المرأة في المهنة والنشاط والتدرج في الوظائف العامة!! وهذه هي سيداو.. والتي تطلب منك أيها الزوج أن تيسأ.. وتيسأ مستيقظاً حتى ساعة الفجر الأولى لتقوم بفتح الباب للمديرة أو الوزيرة أو حتى الرئيسة دون أن تسأل من أوصلها إلى الباب!!