لنا أن نتخيل بعد اكتمال مشروع الرقم الوطني، أي بعد استخراجه لكل مواطن في السودان، وتصير بعد ذلك عمليات التسجيل حصرياً على المواليد وخصم الوفيات، وساعتها سيعرف حكامنا من يحكمون، باعتبار أن الحكومة الإلكترونية من شأنها توفير كل المعلومات الخاصة بالرعية «الالكترونية»، كما أنه من شأن المعتمد في أية محلية عندما يستيقظ باكراً أن يعلم عدد رعاياه الجدد إناثاً وذكوراً، كما أنه بالإمكان معرفة من توفي وقتها وباسمه كاملاً ومنطقته وكل تفاصيل حياته. فلا يعقل أن تنحصر معرفة المسؤول والياً أو معتمداً في رقعته الجغرافية في المساحات المقترحة للاستثمار وإحصاءات السكان حسب التقارير التي تعد كل خمس سنوات... أسوق هذا الحديث بعد مطالعتي لخبر بالصفحة الأولى بهذه الصحيفة قبل يومين، وعنوانه «المالية: بعض الولاة لا يستطيعون وضع دراسة صحيحة لمشروعات التنمية»، وهذا يعضد ما ذهبنا إليه، إذ يتوجب أن يكون الحاكم أو المسؤول ملماً بأدق التفاصيل، وأن يختار صفوة المستشارين والخبراء الصادقين، ويستعين بهم للتخطيط واتخاذ القرار السليم، لكن الواقع الماثل يشير إلى مؤهلات أخرى للحكام، أولها الثقل القبلي والعرقي، وهو ما يتبادر إلى ذهن أي متابع للشأن العام عند تعيين مسؤول جديد: من هو؟ من أية قبيلة جاء؟ وهذا لا يمثلنا، ولا أحد يسأل عن برامجه التنموية ولا عن تدينه أو أخلاقه أو سلوكه العام، ولا حتى مقارنة ما يملك من مؤهلات بشروط واجبة في حق ولي الأمر. نعود ونقول يمكن للرقم الوطني أن يعيد ترتيب الأمور بتوفير معلومات التخطيط، ويمكِّن الخبراء من وضع الدراسات الصحيحة التي يتم بناؤها بقاعدة المعلومات المؤكدة، على شاكلة العدد الحقيقي للسكان أطفالاً أو نساءً أو رجالاً، ونسبة الأمراض المزمنة ونوعية نشاطهم السكاني، بل ويمكِّن من طي ملف تطابق الأسماء والمحظورين من السفر بالمطارات والموانئ وغيرها. أفق قبل الأخير: أجاب رئيس ماليزيا مهاتير محمد عندما سُئل عن سبب نجاحه في الانطلاق بدولته، فقال إنه اهتم بالعلم والتخصصية الدقيقة، بمعنى أن يكون الطبيب طبيباً والمهندس مهندساً والسياسي سياسياً ، ولم يكن من بين حكام ماليزيا بروف في الفيزياء. أفق أخير: