لا يمكن قراءة رفض الجامعة العربية التدخل الأجنبي فى الشأن السوداني والتى عبَّرعنها أمين عام الجامعة العربية فى زيارته الأخيرة الى الخرطوم – الأحد الماضي – بمعزل عن الأجواء المتوترة التى تمضي الولاياتالمتحدة بإتجاه توسيع نطاقها – بدلاً عن الحد والتقليل منها – بين الخرطوم وجوبا؛ فكلنا نلاحظ كيف أنّ واشنطن بقرارِها الذى عكفت على صياغته وإخراجه بواسطة مجلس الأمن بالرقم 2046 تحاول خلخلة المعادلة بين الخرطوم وجوبا، بل لا نغالي إن قلنا إنَّ القرار 2046 يبدو كجهد أمريكي واضح للتغلب على الهزائم المتكررة التى ظل الجنوب يتلقاها من السودان مرراً وفى مقدمتها هزيمة هجليج الداوية. وكلنا نلاحظ – بقدرعالٍ من الوضوح – كيف أن واشنطن وبالتزامن مع كل ما يجري من إعداد للمفاوضات وتهيئة المناخ للمحادثات بين الجانبين، تعتزم إصدار تشريع داخلي تطبقه على النطاق الدولي للحد من أنشطة الرئيس السوداني وزياراته للدول. كان واضحاً أن الجامعة العربية بهذا الحراك تؤشر الى أنّ السودان الذى تتعسف واشنطن فى التعامل معه ليس وحده وأن الجامعة على أية حال قريبة جداً من أبوابه ونوافذه. ولعل أكثر ما لفت النظر فى هذا الصدد، أنه وفى الوقت الذى نجح فيه رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوي (ثامبو أمبيكي) فى الحصول على موافقة مبدئية – قبل انعقاد جولات التفاوض – بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 10 كلم من الجانبين، بإعتبار أن هذه الخطوة تعتبر بمثابة (مدخل جيّد) للمفاوضات المرتقبة لأنها تحقق معالجة مناسبة للملف الأمني، فإن واشنطن لم تضع إعتباراً لهذا التقدم الكبير، الأمرالذى جعل الجانب الجنوبي هو الآخر لا يلقي كثير بال للخطوة مع أنها توفر فى الواقع أفضل مناخ مواتي لإستئناف التفاوض لأنّ التفاوض يحتاج الى استقرار ومناخ أمني هادئ. بل إن الجانب الجنوبي وإمعاناً فى عرقلة التفاوض ومُستَنِداً الى الظهر الأمريكي بدأ بالبحث عن ذرائع جديدة لإستمرار الحرب فى مواجهة السودان حين يزعم الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت أن بلاده فى حربها مع السودان إنما تقف مانعاً وحامياً للبوابة الافريقية من خطر الأصولية الاسلامية القادمة من السودان! وهى ذريعة سطحية قديمة، فقدت مذاقها منذ عقود ولكن الرئيس الجنوبي كشأن المفلس الذى يلجأ (للدفاتر القديمة) عمل على محاولة تسويقها ليضمن المساندة والدعم الغربي لحربه المقدسة ضد السودان! واشنطن لم تقف عند هذا الحد، فقد لجأت كما رأينا الى حيلة ماكرة جديدة لا يمكن بحال من الأحوال إعتبارها (سلاحاً مشروعاً)، فقد لجأت الى استصدار تشريع يمنع استضافة الرئيس السوداني فى أىِّ محفل إقليمي أو دولي، بتهديد الدول المضيفة بقطع المعونةعنها. هذه التحركت الأمريكية تصعب قراءتها بعيداً عن أساليب العرقلة التى تمارسها واشنطن للمحادثات بين الجابين، إذ من الواضح أن واشنطن تحاول منع أىِّ إتصال مباشر أو لقاء قمة بين الرئيسَين كير والبشير إذا دعت مآلات التفاوض الى ذلك فى أىّ مرحلة من مراحل التفاوض، فالسيناريو الذى يبدو أنه قد تم إعداده بهذا الصدد، يشير الى أن المفاوضات تمضي لتصل إلى طريق مسدود يتعيَّن معه إجراء لقاء قمة بين الرئيسين، فيمتَنِع الرئيس كير عن الحضور الى الخرطوم، وتمتنِع دول أخري عن إستضافة القمة بسبب التشريع الأمريكي، وتصبح النتيجة واضحة لا تحتاج الى تفسير. من المؤكد أن واشنطن بهذا السيناريو تريد أن تتعقّد الأمور حتى يحلو لها اللجوء الى المادة 41 من الفصل السابع، ثم المادة 42 من ذات الفصل فى وقت لاحق ظناً منها أنها بذلك تحكم سيطرتها على الخرطوم! ولكن هل تقف الجامعة العربية وأصدقاء السودان فى محيطه الإقليمي والعربي مكتوفِي الأيدي حيال هذا السيناريو؟ الأيام القليلة القادمة سوف تكشف عن الكثير!