ظل التنسيق في مجال الموارد المائية بين السودان ومصر وثيقاً لمصلحة الدولتين منذ إبرام اتفاقية 1959، ولقد تبلور ذلك التنسيق بصورة أكبر وتوثق منذ العام 1995 في ما يتعلق بالتفاوض حول إطار التعاون (CFA) والذي يعرف حالياً باتفاقية عنتبي وحول مبادرة دول حوض النيل (NBI). لم تهتم الدولتان باجتماع وزراء الموارد المائية بدول حوض النيل الذي عقد في مايو 2009 بمدينة كنشاسا ولذلك لم يتم التنسيق بينهما بالصورة المطلوبة، ونتيجة لذلك أصاب الدولتين ضرر بليغ من ذلك الاجتماع حيث قررت غالبية دول حوض النيل اعتماد الاتفاق الإطاري على الرغم من تحفظات السودان ومصر خاصة في ما يتعلق بعلاقة ذلك الإطار بالاتفاقيات السابقة. وفي إبريل عام 2010 أكملت تلك الدول ذلك الموقف بالاتفاق على توقيع على الاتفاق الإطاري رسمياً. إلا أن السودان ومصر نسقا مواقفهما مرة أخرى ونجحا في الاجتماع الوزاري لوزراء الموارد المائية بدول حوض النيل الذي عقد بمدينة أديس أبابا في يونيو 2010 من تجميد الوضع على ما هو عليه سواء كان في ما يتعلق بالاتفاق الإطاري أو المبادرة، وتعضيداً لذلك جمدت الدولتان أنشطتهما في المبادرة. ولقد تمثل ذلك النجاح في أن السودان ومصر قد أقنعتا كل دول حوض النيل بعقد اجتماع فوق العادة لمناقشة التداعيات المؤسسية والقانونية للتوقيع الجزئي على الاتفاق الإطاري. ولقد ترسخ ذلك النجاح لأن كل تقارير الخبراء الدوليين الذين كلفتهم المبادرة بدراسة تلك التداعيات أو دراسة البناء المؤسسي المستقبلي للمبادرة قد جاءت مؤيدة للموقف السوداني المصري موضحة أن الوضع الأمثل هو موافقة كل دول حوض النيل على الاتفاق الإطاري. ولكن وللأسف الشديد لم يفلح السودان ومصر في استثمار ذلك النجاح لفشلهما في طرح بديل، وفي ذات الوقت نجحت إثيوبيا في استغلال الموقف وبدأت في إنشاء سد الألفية «النهضة» في العام المنصرم على أساس أن تصرفها ذلك تدعمه مظلة قانونية ومؤسسية هي الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليه ست من دول حوض النيل . وحتى يأخذ تصرفها ذلك شرعيته الكاملة بموجب القانون الدولي دعت إثيوبيا السودان ومصر للمشاركة في لجنة فنية لتقييم آثار السد، وهي لجنة صورية الغرض منها استيفاء مطلوبات الإخطار المسبق الذي يتطلبه القانون الدولي. ولقد انطلى ذلك التدبير على مصر والسودان واشتركتا في أعمال اللجنة على الرغم من عدم وجود إطار قانوني ومؤسسي لعمل اللجنة يحفظ للسودان ومصر حقوقهما المائية، وعلى الرغم من أن الشروط المرجعية للجنة لا تعطي اللجنة الحق في نقاش الإدارة المشتركة أو الملكية المشتركة لسد الألفية، وهي التدابير الوحيدة التي تؤمن المصالح المائية للسودان ومصر. ولعدم تمكن السودان ومصر من تقديم أي مقترحات في ما يتعلق بالتداعيات القانونية والمؤسسية للتوقيع على الاتفاق الإطاري وتجميد النشاط في المبادرة نجحت جهات دولية عن طريق منظمة مجموعة الرؤية الإستراتيجية (SFG) وبدعم من الحكومة السويسرية في خطف ملف مناقشة تلك التداعيات من دول حوض النيل إلى محفل دولي آخر عقدت تلك المنظمة أول اجتماعاته في زيورخ في فبراير 2012 ، ولتأكيد عملية اختطاف الملف فإن المنظمة قد فرضت على السودان أن يشارك بتمثيل رمزي ليس فيه مستشار قانوني على الرغم من أن الوفد الإثيوبي يشمل أربعة من كبار الخبراء القانونيين الإثيوبيين، ولذلك رفضت وزارة الموارد المائية في السودان الاشتراك في ذلك الاجتماع بناءً على الاقتراح الذي تقدمت به. ولقد تضمن اقتراحي أن يطلب السودان من مصر عدم الاشتراك في ذلك الاجتماع، إلا أنه ولأسباب لا علم لي بها شاركت مصر في ذلك الاجتماع بوفد كبير. وكما هو متوقع تم الانفراد بمصر في ذلك الاجتماع وجاءت مخرجاته أبعد ما تكون عن مراعاة المصالح المائية للسودان ومصر عن طريق مناقشة التداعيات المؤسسية والقانونية للتوقيع الجزئي على الاتفاق الإطاري. بل أن المنظمة قد أكدت في مخرجات الاجتماع أن اجتماعاتها سوف تستمر وأن المخرج النهائي سوف يعتمد عليه المانحون وكل الجهات الدولية المعنية في التعامل مع دول حوض النيل. ومن المتوقع أن يعقد خلال الشهر القادم اجتماع عادي لوزراء الموارد المائية بدول حوض النيل في مدينة كيغالي برواندا، ونتوقع أن لا تتاح الفرصة للسودان ومصر لمناقشة التداعيات المؤسسية والقانونية وتجميد النشاط في المبادرة باعتبار أن تلك الموضوعات قد أصبحت تناقش في الاجتماعات التي تعقدها منظمة مجموعة الرؤية الإستراتيجية (SFG). ولذلك من المتوقع أن تنحصر المناقشات في اجتماع الوزراء على الموضوعات الراتبة من ميزانية وخطة عمل وخلافه، وبذلك يكون قد ترسخ ضياع حقوق السودان ومصر المائية. ولذلك فإننا ننصح وبالصوت العالي الحكومتين السودانية والمصرية للتحرك العاجل لتفادي ذلك الموقف الخطير لأنه إن لم يتم ذلك التحرُّك عاجلاً فإنه قد يصبح مستحيلاً في المستقبل. الخبير القانوني الدولي في مجال الموارد المائية مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان (KICHR).