مسكين مواطن بلادي الذي لم يتركه سماسرة الجشع عند حد مصادرة قوته فأصبح فريسة للغلاء الذي طحن عظامه ولم يتبق منه سوى ما يكفي بالكاد لوقوفه على قدميه ليبحث عن لقمة عيش بين فكي وحوش مفترسة ولسان حاله يقول: «اللهم استر الفقر بالعافية»، بل اجتهد ذات السماسرة في سلبه ما تبقى من عافيته، حين ضخوا في شرايينه أدوية منتهية الصلاحية دخلت البلاد دون رقيب أو حسيب تحت سمع وبصر الجهات التي يفترض أن الرقابة ومطابقة المواصفات لأي منتج هي المهمة الأساسية التي انشئت لأجلها، والضحية دائما المواطن الغلبان الذي تعلقت روحه بين راحتي الفقر والمرض، فلا هو مات فاستراح ولا عادت إليه عافيته. والتقرير الذي تحصلت «الإنتباهة» عليه، أفاد بأن نسبة انتهاء صلاحية الأدوية خلال السنوات الماضية بلغت 7% بقيمة 6 مليارات جنيه.. إلا أنها انخفضت إلى 1% حالياً، إضافة إلى توفير أدوية الطوارئ خلال 6 أشهر ماضية ارتفعت نسبة توفيرها من 05% إلى 08%. تحقيق: إنتصار السماني وحسب مصدر بالمجلس الاتحادي للصيدلة والسموم تحدث ل «الإنتباهة» طلب حجب اسمه، فإن من الأدوية غير المطابقة للمواصفات التي وجدت طريقها إلى سوق الدواء أخيراً، ادوية الكلوروكوين الصيني ذي الجرعة الناقصة الذي استوردته احدى الجهات من الصين، وبعد اخذ وشد قررت الدولة إلزام الجهة المستوردة بإعادة تصديره، فيما ذهب كثيرون إلى عدم التزام تلك الجهة رغم التزام وزارة المالية بتكلفة اعادة التصدير، ويذهب هؤلاء الى أن شحنات الكلوركوين الصيني ناقص الجرعة قد سرت بالفعل في شرايين المرضي من مواطني بلادي، وكان نتيجة ذلك بروز ما يسمى بطفيل الملاريا ذي المناعة والذي اعلن عن نشاطه من خلال بروز مرض الملاريا الخبيثة، فاصبحت الجهة المعنية بحماية المواطن عونا على المرض ضد المواطن ! كذلك من الادوية التي كانت مثار الجدل محاليل كور الهندية التي اشارت بعض التقارير ان التحاليل المعملية التي اجريت عليها، وجود فطريات داخل قارورات المحاليل كانت ترى بالعين المجردة، مما دفع لجنة تنمية المجتمع والصحافة الوطنية الى شن حملة إعلامية مكثفة ضد استخدامها، بعد أن اكد الاطباء خطورتها وانها تسبب تسمم الدم القاتل، وليس بعيداً عن ذلك ما ثار أخيراً حول عدد من أدوية الشراب التي تنتجها شركة جلفار التي اضطرت السلطات إلى إيقاف توزيعها ثم عادت لتسمح بالتوزيع ثم أوقفتها مرة ثانية، لينتهي السيناريو حتى الآن بتوزيعها، بجانب عقارات زارعي الكلى التى شغلت المواطن فترة من الزمن ومازال امرها مجهولاً. هكذا كان الوضع في البلاد وخارج الاسوار، فقد بات الحديث عن الدواء مرتبطاً بالشركات الوهمية التي تتعامل في الدواء المغشوش، وقد حذَّر خبراء من استمرار تسرب الأدوية المغشوشة في دول العالم، مؤكدين أن هذه الأدوية سواء الخطيرة منها أو التي لا فائدة لها تمثل تهديداً أكبر للصحة من نقص المناعة المكتسب «الإيدز» والملاريا معا، حتى طفت على السطح أخيراً قضية الأدوية منتهية الصلاحية التى دخلت البلاد وتم تداولها وغزت الاسواق حتى وجدت طريقها للبرلمان. البرلمان يحذِّر رئيس لجنة الصحة بالبرلمان د. الفاتح محمد سعيد، كشف عن دخول أدوية منتهية الصلاحية تم تداولها، وقال إن التحري أثبت انتهاء صلاحية بعض الادوية التي تم استعمالها، من بينها ادوية القسطرة وموسع الشعب الهوائية الذى تم سحبه من الاسواق بعد اكتشاف انتهاء صلاحيته منذ2010م، وطالب الإمدادات الطبية بتشكيل لجنة لتحرى الحقائق، وتساءل د. الفاتح عن كيفية دخول الأدوية للبلاد؟ وتاريخ دخولها الامدادات الطبية؟ وتاريخ دخولها السوق مسؤولية من؟؟ انعدام الرقابة الصيادلة الذين التقت بهم «الإنتباهة» أكدوا صحة ما يدور من حديث حول دخول أدوية منتهية الصلاحية للبلاد، لكنهم عادوا وقالوا انها لا تتعدى 1%، وان الادوية التى يتم تداولها تم تهريبها بطرق غير شرعية عبر الحدود المفتوحة مع السودان او عبر المنظمات العاملة فى المجال الصحي بالبلاد، وأكدوا أن تسجيل الدواء واحد من القرارات المهمة والحساسة جدا التى تؤثر على حياة الإنسان ايجاباً او سلباً، ويمثل مرحلة متقدمة بعدها يصرّح بالعمل به، حيث ينال الموافقة على اعتماد العمل والعلاج به، وتتلخص تلك المراحل في الفحص والتحليل والتسجيل ليكون الدواء مطابقاً للمواصفات التي أقرتها منظمة الدواء والأغذية العالمية، وذلك بحسب د. صيدلي صلاح جعفرالذى قال ل «الإنتباهة» إن الدواء إذا لم يمر بتلك الإجراءات يعتبر مهرباً او مغشوشاً، ويضر بالمواطن إن لم تتحرك لجان مختصة تخرجه من الصيدليات. وعزا تفشي ظاهرة الأدوية المهربة والأدوية المغشوشة التي يتم تصنيعها بطرق بدائية، إلى عدم إحكام الرقابة على الاسواق رغم خطروتها على صحة المواطنين. مافيا الدواء مصدرنا بالمجلس الاتحادي للصيدلة والسموم قال ل «الإنتباهة» إن وزارة الصحة الاتحادية اشترطت على موردى الادوية واصحاب الشركات الدوائية شراء الادوية المسجلة فقط التى اعلنت عنها الهيئة العامة للامدادات الطبية بعد التأكد من جودتها وتاريخ صلاحيتها، إضافة الى تنفيذ قرار المجلس القاضي بالتعاقد مع الشركات لضمان جودة وفعالية المستحضر، وان يكون وكيل الدواء مسؤولاً مسؤولية مباشرة امام الهيئة، وبعد ان تأكد للأخيرة دخول ادوية وتداولها بالصيدليات خاصة موسع الشعب الهوائية، تم سحبه من السوق وشكلت لجنة للتحقق من دخوله للبلاد، حيث فوجئت الهيئة بأن تاريخ صلاحية الدواء فى العبوات بالصف الاول من العبوات 2014، بينما بقية العبوات بداخل الكراتين 2010م، مما يدل على انتهاء صلاحيتها منذ العام الماضي. معوقات تسجيل الدواء محدثي عزا تهرب الشركات من تسجيل الأدوية الذي يعتبر معيار صلاحيتها، إلى معوقات تواجه التسجيل، من ضمنها عدم توفر التمويل اللازم للبحوث والتطوير في صناعة الدواء خاصة داخل شركات قطاع الدواء، بسبب زيادة الأعباء التمويلية بتلك الشركات، الامر الذى اثر سلباً على تحديث وتطوير خطوط الإنتاج. ويصنف تصنيع الدواء الى ثلاث درجات من حيث جودة الدواء ودقة الأبحاث العلمية التى اجريت عليه ودرجة أمانها على صحة الانسان، فهناك شركات تسرق براءات الاختراعات من شركات أخرى حصلت من قبل على تسجيل الأدوية، وهناك أيضاً شركات تغش الأدوية وبالتحديد فى المادة الفعالة، وترتكب جريمة كبيرة فى غش المادة الفعالة، ووضع نسبة أقل من المسموح بها والموصى عليها، ولذلك انتشرت شكاوى المرضى من عدم فاعلية الأدوية التى يتناولونها، أما الصنف الثالث فهو مافيا شركات الأدوية التى لا يراعي أصحابها في المرضى إلاًّ ولا ذمة ويصنعون الأدوية من بودرة ومواد سامة وخطيرة قد تؤدى الى حدوث الوفاة بنسبة كبيرة، لذلك يجيء الدور الرقابى فى إزالة تلك الأدوية الخطيرة على الانسان لدرجة الموت من السوق، وتحري الدقة في تسجيل الدواء الذى لا بد ان يكون حسب الحاجة. وفى السودان الدواء يخضع للتسجيل من قبل اللجنة الفنية «بمعمل استاك»، وكان فى السابق يتم أخذ عينات بصورة عشوائية بقسم السلامة الدوائية بوزارة الصحة الذى اغلق فى عام 2007م، وأنشأ المجلس قسم ادارة المتابعة بعد التسويق، وكان يقوم بعمله بصورة جيدة، وقد قام بإغلاق وسحب رخص عدد من الصيدليات التى خالفت قوانين الصيدلة والسموم. وأكد ذات المصدر أن دخول أدوية مخالفة للمواصفات حسب اعتقاده، كان نتاجاً للتهريب، لانفتاح البلاد على دول الجوار او عبر المنظمات العاملة بالبلاد فى المجال الصحي، فالتحقيق لم يكتمل حتى الآن لكشف منافذ التهريب الدوائى، ولا بد من كشف الحقائق والعمل على استئصالها، لأن صحة المواطن لا تحتمل المزايدات، وتدخل وزارة الصحة لحسم مثل تلك المخالفات ضروري. أسئلة مشروعة إذن هل تتحمل لجان التفتيش الموجودة حالياً ظاهرة تفشي الادوية المهربة والمغشوشة والمنتهية الصلاحية فى ظل الاقبال الكبير من مخترعى او مصنعى الأدوية، خاصة مع اتجاه الغالبية العظمى للكسب السريع عن طريق تقليد الأدوية والارتكان الى ذلك، بعيداً عن الاختراع والابتكار وبذل الجهود والدراسات العلمية والابحاث والتحاليل حول العقار الجديد؟ مع العلم أن منح تسجيل دواء جديداً يأخذ فترة طويلة من الزمن من اجل إجراء الابحاث والتحاليل اللازمة حتى يكون آمناً على صحة الانسان ولا يؤدى الى فقدانه لحياته فى بعض الاحيان. وهل يقوم قانون الصيدلة والسموم الجديد لعام 2011م بسد المنافذ امام جشع اصحاب الشركات الدوائية وتجار الدواء، خاصة بعد أن أصبحت الرقابة على الدواء شأناً اتحادياً بعد أن كان ولائياً وفقاً لقانون الصيدلة والسموم لعام2001م؟ وهل يحسم القانون الجديد التضارب في وجهات النظر حول أمر الدواء بالبلاد؟ من المحرر: بما أن الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس تمثل حجر الزاوية في هذه القضية لاختصاصها بالرقابة، فقد طرقنا بابها، لكنها ضنت علينا بالإجابة، لأن معلومة غير صحيحة تتعلق بعمل مدير العلاقات العامة بها ياسر محجوب، نشرت بتحقيق سابق في «الإنتباهة» وقد التبس الأمر على المحررة واعتذرت «الإنتباهة» عن الخطأ غير المقصود، ولكن كان موقف ياسر الامتناع عن التصريح ل «الإنتباهة» رغم أن الخطأ لم يمس هيئة المواصفات. أما الهيئة العامة للإمدادات الطبية التى من اختصاصها توزيع الأدوية وإخضاعها للفحص المعملي لإجازتها وتسجيلها باعتبارها مصدر الأدوية الأول بالبلاد، فقد ذهبنا اليها نستطلع رأيها حول ما أثير عن مسؤوليتها المباشرة عن الأدوية منتهية الصلاحية، ولكن إدارة العلاقات العامة ماطلتنا وتعللت بانشغال المدير العام، باعتباره الوحيد الذى يمكن أن يدلي بتصريح في هذا الخصوص، والامتناع عن التصريح للصحافة هو ديدن الإمدادات الطبية ومديرها د. جمال خلف الله الذي يصرح فقط لم يشاء من الصحافيين.