«من يرعى الميراث الثقافي لمن رحلوا»؟ ربما بدا هذا السؤال بسيطاً ولربما خيّل لنا أن الإجابة عنه أكثر بساطة، سبق أن تناولنا مسألة التوثيق وهي جزء من عملية الرعاية أساسي وبين الرعاية والتوثيق تداخل إلا أن الأمر لا يخرج عن كونه معقّدًا يحتاج لوقفة.. فحينما يرحل المبدع عن دنيانا تبدأ جهات ما مؤسسات أو أفرادًا بالاحتفاء المطلق بذكرى رحيله، لكن هل الاحتفاء وحده يخلّد مبدعينا؟ وماذا عن الثروة الإبداعية التي تركها المبدع وراءه، هل ستصبح حبيسة أدراج منزله أم ثمة جهة ما ستحاول إخراجها من جديد.. إذن على عاتق من تقع مسؤولية رعاية الميراث الثقافي لمن رحلوا؟ الأسرة التي ربما لم تقدِّر القيمة الحقيقية للموروث أو ظلت عاجزة بسبب ظرف ما، أم الدولة التي اعتادت أن تضع الهم الثقافي في ذيل قائمة أولوياتها بحسب مراقبين «نجوع» وقفت مع أهل الشأن فكانت محاور متباينة: نماذج هذه نماذج لمبدعين رحلوا تاركين وراءهم إبداعًا ثرًا يحتاج لمن يزيل عنه غبار الإهمال من خلال الرعاية والاهتمام حتى يرى النور بصورة مرتبة وسليمة ومثال لذلك الراحل الجيلي محمد صالح لديه العديد من المؤلفات متمثلة في «61» ديوان شعر و«15 » مسرحية و«25» بحثاً و«33» أغنية مسجلة في إذاعة أم درمان وراديو القاهرة ولندن و«39» ديوانًا باسم مزامير و«32» أغنية مجازة وملحنة ولم يقدمها، وكل هذه المؤلفات لم تجد حظها من النشر.. كذلك أن التيجاني يوسف بشير لديه أشعار ضاعت ولم تجد حظها من البحث والجمع.. وكذا الشيخ الطيب السراج له إنتاج غزير لم يُنشر ومنه ما ضاع مع مر السنين. مسؤولية مجتمعية: الدكتور إبراهيم إسحق قال في إفاداته: الميراث الثقافي للراحلين هو مسؤولية موضوعة على عاتق المجتمع كله، ثم على دائرته القريبة مِن مَن يهتمون بعدم انقطاع اهتمام الناس بما يورثه للأمة.. فإذا كان ذلك الميراث الثقافي علميًا، فهي مسؤولية اكاديمية يهتم بها الجامعيون والمهتمون بالعطاء الفكري للامة. اما اذا كان الميراث فنياً تشكيلياً او موسيقياً او مسرحياً فعلى المسؤولين من الجانب الرسمي للثقافة «الدولة» الا يتركوا هذا الميراث يذهب للنسيان؛ وذلك من خلال اعطاء الفرصة لهذا الموروث ان يظهر باستمرار في اجهزة التواصل الاجتماعي. وهنالك المجال الادبي: شعرًا وسردًا. وهذان ايضًا يدخلان في اهتمامات المسؤولية الرسمية كما ذكرنا آنفاً. ويبقى من واجب المجتمع ان يكترث لهذا الميراث كله من خلال مساهمة القطاع الخاص «رجال الاعمال والمؤسسات المالية» في العناية باظهار كل هذا الموروث للجماهير داخليا وخارجيا. الميراث الثقافي هو جزء اصيل من وجدان وهوية الامة، والحرص على اظهاره يمثل عنايةً واجبة على كل المجتمع. ضياع كثير من الأعمال: الاستاذ الناقد عز الدين ميرغني قال ان هنالك مشكلة كبيرة في السودان بالنسبة للاعمال المطبوعة او غير المطبوعة للذين رحلوا من مبدعينا تتمثل في قانون الورثة وقانون الملكية الفكرية من جانب الورثة فانهم يتنازعون احيانًا ولا يتفقون فيما يطبع او لا يطبع ويعتبره البعض ثروة يجب تقسيمها ولذلك تضيع هذه الاعمال وكذلك هنالك من الاعمال التي لا تقدرها الاسرة من حيث قيمتها الادبية والفنية ولذلك ضاعت كثيرٌ من الاعمال والمخطوطات والتي لم تطبع اما المشكلة الثانية فاي مبدع بلغ خمسين عامًا منذ وفاته فإن اعماله تعتبر ملكية مشاعة وهنا تأتي مسؤولية الدولة في ان تطبع هذه الاعمال لأن ليس هنالك غيرها من يستطيع القيام بذلك واذا لم تفعل فانها ستجد مافيا الطباعة في العالم العربي كله والذي يمكن ان يتاجر بها ويثرى من خلالها والخطورة ان تطبع الاعمال دون تحقيق وهذا ما يحدث لديوان «اشراقة» للتيجاني يوسف بشير والذي لم يطبع محققًا حتى الآن وهذه فضيحة ثقافية كبرى. كما ان الاستاذ محمد حسين الفكي اوضح ان رعاية ابداع الراحلين تقع تحت مسؤولية الدولة فقط عبر اجهزة خاصة بالعمل الثقافي ونفى ان يكون الافراد هم المسؤولون عن جمع ورعاية هذا التراث تضافر جهود: وزير الثقافة بولاية الجزيرة البروفيسور ابراهيم القرشي اكد في حديثه مع «نجوع» ان التراث الثقافي يعتبر مسؤولية اجتماعية وتاريخية ورعايته تحتاج الى جهد كبير من الوقت والمال، وذكر انه لا بد من تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية وجهود الافراد في الحفاظ عليه. قضية مشتركة: الاستاذ صديق المجتبى الامين العام للمجلس الاعلى لرعاية الثقافة والفنون اعتبر مسؤولية رعاية الميراث الثقافي لمن رحلوا قضية مشتركة تخص المؤسسات وليست قضية المبدع نفسه، وذكر ان على المبدع اولاً ان يوثق لاعماله وان يعرّف به لدى الجهات المختصة واضاف ان الابداع الثقافي عمومًا سواء كان اتناجاً فكريًا او فنياً يحتاج لمؤسسات تقوم برعايته. وكشف المجتبى عن آلاف من المخطوطات والوثائق التي اصبحت في اضابير الجامعات والمؤسسات وهي تحتاج لفهرسة بشكل مؤسسي حتى يتم التعامل معها بشكل سليم، وذهب الى ان القطاع الخاص ايضًا ومنظمات المجتمع المدني تلعب دورًا في رعاية الميراث الثقافي اذا توفر لها التمويل والدعم، وختم حديثه باننا في السودان نحتاج لغرفة لصناعة الثقافة واستثمارها حتى يرى المنتج عمومًا الرعاية.