في الأمسية التي نظمها المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون للتفاكر مع اهل الفكر والثقافة حول قرار السيد/ رئيس الجمهورية لإنشاء وزارة للثقافة، والتي قدم خلالها الأستاذ صديق المجتبى أمين عام المجلس التصور، تخللت الأمسية العديد من المداخلات التي قدمت خلالها مقترحات من الاتحادات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وبعض الأفراد من أهل الفكر والثقافة. الأستاذ عمر قدور رأى أن تقوم الوزارة على فكرة المؤسسات والمجالس المختصصة، على أن يكون دور الدولة التنظيم وإصدار القوانين التي تسير العمل ولكن برؤية جديدة.. كما رأت الروائية بثينة خضر مكي أن تكون للتمويل ادارة وهيئة منفصلة، وضرورة أن يتبع الملحق الثقافي بسفارات السودان لادارة الثقافة والاعلام الخارجي بوزارة الثقافة. الفنان عبد القادر سالم اقترح أهمية أن تخصص الوزارة ادارة لكل فرع، وأن تهتم الوزارة بالتوثيق، وان يكون للوزارة المال الذي تستطيع ان تخدم من خلاله الثقافة، وان تسعى الوزارة بقوة لتوسيع دائرة المشاركة الخارجية لعكس الثقافة السودانية. وأضاف نحلم بوزارة ثقافة تستغل كل الفرص الممنوحة للدولة من خلال الاتفاقيات الثقافية المبرمة بين السودان والدول الصديقة، وتفعيل وإنفاذ قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة. الممثل علي مهدي اقترح إنشاء هيئة عامة للمسرح والسينما تعنى بالفنون الأدائية والانتاج السينمائي، وأمانة عامة تساعد الوزير في التنسيق مع هذه الهيئات والادارة المالية، وتعديل بعض القوانين في ظل المفاهيم الجديدة. الأستاذ ياسر فائز «مركز بنت» اقترح إنشاء برلمان يوازي الوزارة مكون من الجهات والمؤسسات الثقافية، يراقب أداء الوزارة ويقومه.. الممثلة بلقيس عوض ركزت على دور الوزارة واهتمامها بالمرأة والطفل الذي سلبته الفضائيات.. الاستاذ ابراهيم حجازي أمن على اهمية الانتباه والحذر من سماسرة العمل الثقافي، والابتعاد عن كل العناصر التي لا يجري في دمائها هم العمل الثقافي. الفنان صلاح مصطفى دعا الى أن تكون الوزارة سيادية يتم التعيين لها وفق القدرات الابداعية، وليست الترضيات كما يحدث في كثير من الوزارات المهمشة، وضرورة توضيح العلاقة بين الوزارة الاتحادية مع الوزارات الولائية في ظل الحكم الاتحادي، وتوضيح العلاقة ما بين أجهزة البث الاذاعي والتلفزيوني مع الجهات الثقافية. د. عبد الملك محمد أشار الى اهمية فصل الحريات فصلا كاملا، واذا لم يحدث ذلك لا يكون هنالك ابداع، والى اهمية انشاء مكتبات متنقلة وسينما متجولة، ووضع تاريخ السودان في نصابه الصحيح، واضاف انه لا بد من فتح صفحة جديدة والمحك سيكون في الممارسة. الأستاذ شول دينق اقترح إنشاء مجمع للفنون والتراث الحديث، ملحق به فندق خمس نجوم لاستضافة الفرق الزائرة، وضرورة التركيز على التخصص والتدريب للكوادر الادارية، وإعادة السينما لحظيرة الوزارة بفهم جديد. د. عبد الله حمدنا الله نادى بضرورة التغيير على مستوى التخطيط السياسي والثقافي، والنظر للثقافة باعتبارها استثمارا اقتصاديا، والتغيير على مستوى المفاهيم حول الثقافة نفسها، وعلى مستوى أن الثقافة ليس مهرجانات فحسب، كما انه لا بد من التغيير على مستوى المثقف نفسه، فينبغي ألا ينظر للدولة على اعتبار انها «تكية»، كما دعا الى ضرورة اعلاء قيمة المثقف. الروائي ابراهيم اسحق حصر مداخلته في اربع نقاط، هي: ضرورة وجود كل مؤسسات العمل الثقافي في وزارة واحدة، ووضع ميزانية للوزارة تعادل او تزيد على ميزانية وزارتي الشباب والرياضة والاعلام. واختلف مع الذين يرفضون رعاية الثقافة من قبل الدولة، لأن الدولة لا بد أن تقوم بمهمة توصيل الناس لمرحلة تطور ثقافي اجتماعي. ودعا الى ضرورة أن تتمتع اللجان المختلفة داخل الادارات بالديمقراطية والشفافية التي تلزم رؤساء اللجان بتأدية أعمالهم على احسن ما يكون، وأن يكون الاتفاق على المناشط الثقافية بنسبة 60 - 70% من الميزانية. كانت تلك بعض المداخلات والمقترحات، وعقب بعد ذلك تحدث د. اسماعيل الحاج موسى قائلا: التجارب السابقة لا نستطيع أن نحكم بأنها كلها كانت فاشلة، بل كان فيها كثير من الاضاءات والنجاحات، ولكنها أيضا كانت أقل من طموحاتنا. وكان يمكن ان يبذل جهد أكبر لتخرج بنتائج أفضل.. الورقة التي قدمها المجتبى جيدة، والمقصود منها عمل اجتهادي تحضيري قيم نرتكز عليه، وننطلق من كيفية انشاء وزارة للثقافة تستطيع أن ترتاد بنا آفاقاً أوسع.. وبدأنا هذه الاجتماعات في المؤتمر الوطني، ولكن لا بد ان تنداح الدوائر وتتسع المساحات والدولة بأجهزتها المختلفة، في تكثيف واضح واهتمام بالثقافة. ولكن مشاكلنا كلها في الطلاق الكبير ما بين النظرية والتطبيق، وفي مشكلات التمويل، لأن في سياسات كثير من السياسيين الثقافة ليست من اولوياتهم، وذلك يعود للمفهوم الصفوي للثقافة، كذلك لا بد من وضع حد للمفهوم الصفوي لماهية الثقافة، لنستطيع اقناع وزارة المالية. وفي ختام اللقاء التفاكري كانت كلمة د. أمين حسن عمر، الذي بدأ حديثه بأن هذه الاجتماع لأن يسمع لا ان يُسمع، وواصل قائلا: المثقفون لا نستطيع ان نرسم لهم حدودا ابدا، لأن طبيعة الابداع سباحة في بحر من الحرية، لذلك لا بد أن نستعين بقدر كبير جدا من الصبر على ما يقال، وهو ليس بممل، لأن كل شكل من اشكال الاداء الثقافي بصورة مختلفة، وكل شكل يمكن ان نستشف منه شيئاً، ويمكن ان نخرج منه بمعنى، فقط الامر اقل من ذلك بكثير اذا اردنا ان نركز على الموضوع نفسه، الموضوع هو أننا نريد أن ننشئ ديواناً حكومياً للثقافة، ولا نريد ان نناقش كل قضايا الثقافة، ونرجو ان تتسع لنا فرص واوقات وموضوعات وقضايا الثقافة، وانا هنا احد الناشطين في حقل الثقافة، لأني كنت في حكومة انصرفت ابتداءً من يوم امس، والمهم ان اهتمامي بالثقافة ليس متعلقاً بمنصب، ونحن دخلنا السياسة من اكثر من باب، وكان مدخلنا للسياسة من باب الفكر، ولم تدخل اليها من باب السلطة، والفكر هو الثقافة، والسياسة دائما مأمورة بأوامر الفكر، وينبغي أن يكون المثقف والمفكر سابقاً للسياسي، والا فهي ليست سياسة، لأن السياسة هي القدرة على الاحاطة بحيثيات الواقع وايجاد المعالجات له، واذا لم يسبق التفكير السياسة فهي ليست سياسة، لذلك ثقة المثقفين بأنفسهم ينبغي ألا تقتلها روح التشاؤم. ومن مراجعاتي للدوريات التي تصدر هنالك حوالي «46» دورية، وهذا لم يحدث قبل سنوات، فالمنتديات الفكرية والثقافية التي انتظمت كل أنحاء السودان الآن تساوي عشرات الأضعاف إن لم تكن المئات، وفي الماضي كانت المنتديات محدودة ومعروفة، وهذا أمر يدعو للتفاؤل. والنجاح الكبير لوزارة الثقافة ألا تأتي بديوان تقليدي، وإذا جاءت بديوان تقليدي تتحول لوزارة مثلها مثل وزارة الصناعة ووزارة الزراعة، وستفشل وينبغي أن تكون اشبه بوزارة الرياضة، فوزارة الرياضة هي وزارة لادارة واعانة التفاعل الاهلي مع هذا المنشط الثقافي، وينبغي أن تكون وظيفة تمكين المؤسسات بوسعها، ولكن وسعها هذا ليس ما نراه الآن، فلا بد من اقناع البنوك والمؤسسات البنكية بأن هذا الأمر يمكن أن ينتج عنه عائد، ولذلك نريد في المرحلة القادمة أن تقدم ضمانات، ولا نريد ان تعطينا الدولة مالاً، نود ان تعطينا ضمانات، بأن تضع اموالا باسم الثقافة وتقول ممنوعة من الصرف، لكنها تكون ضمانات لتمويل الذي يبحث مع المبدعين، وهناك أفكار كثيرة موجودة في كل العالم، فنحن نريد أن نجرب هذه الافكار، وهل ستنجح في بيئتنا الاقتصادية أم سوف تفشل، حتى لا نحكم على الأمور بأحكام مسبقة. ووجود وزارة للثقافة منفصلة عن غيرها جيد، ولكنه ليس بكافٍ ولن يكون كافياً إلا بالمقومات التي تنجح عمل هذه الوزارة، وواحد من هذه المقومات هو التمويل وأن يكون هناك صندوق لتنمية النشاط والعمل الثقافي، مثلما يوجد صندوق لتمويل التعليم العالي، لأن ما تدفعه وزارة المالية هو لتسيير عمل الديوان، وهناك فرق بين المبالغ التي تصرف لتسيير الديوان وبين تمويل العمل الثقافي، فتمويل العمل الثقافي مثل تمويل الحملات الانتخابية، لأنه مربوط بأفكار جديدة ومبادرات، لذلك لا بد أن تكون طبيعة المال وانفاقه مختلفة، وإذا لم تقبل بفكرة الصندوق لا معنى لقيام وزارة.. كما أشار لمسألة البنية التحتية للوزارة، وأهمية انتباه المستوى المحلي لأهمية الأنشطة الثقافية، وتنشيط المستوى الحكومي المحلي بالنشاط الثقافي، وقال إن جوهر النشاط في الولايات، لذلك لا بد من تفعيل هذا الدور، وأهم من ذلك كله أن نقدم نماذج لنقنع القطاع الخاص بأن يلج مجال الثقافة، وهو نشاط مربح، والآن الاستثمار الثقافي أصبح جزءاً من عقلية رجال الأعمال، وهذا الأمر ينبغي أن تكون فيه شراكة ذكية قائمة على الإبداع والمبدعين وقدراتهم وإنفاق القادرين. وآخر نقطة تحدث عنها د. أمين هي مسألة التوظيف فقال: ينبغي أن تؤسس الوزارة على وصف وظيفي صحيح، وهذا الوصف يضعه المبدعون أنفسهم، ونستقطب الشخص المناسب ولو بالتعاقد، لأن النظام البروقراطي لا يأتي بمبدعين.