ماذا بعد رفع الدعم عن المحروقات، تعويم الجنيه وآثاره، زيادة المرتبات، قضايا اقتصادية مربكة سيطرت على مفاصل الحديث في الدولة والمجتمع.. بحثنا عن مصادر خبيرة لتستجلي كنه ما يحدث الآن في الخارطة الاقتصادية والسياسية معاً فجلسنا مع البروفيسور عصام الدين بوب الخبير الاقتصادي علّنا نضع النقاط على حروف واقع السياسات الاقتصادية فماذا قال خلال هذا الحوار المطول.. ولكن حسب حديث الحكومة فإن رفع الدعم عن المحروقات ضرورة اقتضتها فجوة الإيرادات وضعفها؟ الحكومة هي من تسببت في هذه الفجوة الاقتصادية بسياساتها الخاطئة، وقتلت القطاعات الاقتصادية الإنتاجية وإذا زادت سعر المحروقات فلا أعتقد أنه ستكون هناك زراعة فعّالة في هذا الموسم، وهذا ليس وقت الكلام عن رفع أسعار المحروقات بسبب خروج أكثر من «40%» من المساحات التي تُزرع بالمحاصيل الاقتصادية السودانية من الإنتاج في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، والآن نعتمد على الشرق وتحديداً شمال وجنوبالقضارف وهذه مناطق زراعة واسعة وتحتاج للكثير من الوقود، وبرفع سعر المحروقات لن يزرعوا كميات كافية لأن الإنتاج سيُصبح محدوداً من الوُحدة المزروعة، ولكننا نحتاج إلى مخزون من الذرة والقمح، نفس الأمر يُطبق على مشروع الجزيرة، فكفانا دماراً وإن كانوا يصرون على هذا القرار فإن مثل هذا الحديث في هذا الوقت كارثي لأنه سيُخرج مناطق الشرق التي تُزرع بالنظام الآلي ستُخرجها من دائرة الإنتاج وبذلك فإن القيمة التي ستزيد وتدخل الدولة أو جيوب الأفراد برفع الدعم عن المحروقات سوف نتكلفها وأكثر منها بعشرات الأضعاف في استيراد القمح والذرة من الخارج حتى لا يدخل المواطن في مجاعة.. كيف ترى إقرار وزير المعادن بأن الذهب لن يسد فجوة خروج البترول؟ «رد بانفعال»: يعني حديثي أصبح واقعاً!! هذا الحديث دار قبل ثمانية أشهر بعد أن قيل إن الذهب سيُعوض ورددت بأن هذا حديث فارغ لأن الذهب لا تمتلكه الدولة أو السلطات إنما هو إنتاج أهلي وليس بيد الدولة، فلماذا نحن أغبياء لهذا الحد؟ ولماذا وزير المعادن لم يستمع له وقد نشرته في الصحف سابقاً وفقاً لدراسات علمية.. تقول الحكومة إنها تدعم المحروقات بستة مليارات في حين إن حسابها يجري بالسعر العالمي دون النظر للمزايا التفضيلية التي يوفرها تكرير البترول والاستهلاك المحلي.. أين الحقيقة في هذه التداخلات؟ هذا حديث غير صحيح؛ فالمسؤولون في الدولة يتفوهون بأرقام مبنية على حسابات اقتصادية فيما نسميه فرصة أو التكلفة البديلة وهم يحسبون سعر الذهب على أساس الأسواق العالمية وهذا لا يجوز وكذلك البترول، لأننا إذا تم التفكير بصورة اقتصادية حقيقية فهذا البترول ملك للشعب السوداني ومن ثم إذا تم استخراجه من داخل السودان فإنه يجب حسابه على أساس تكلفة الإنتاج، وسبق أن تحدثت عن تكلفة الإنتاج وأنها لا تتجاوز 18 إلى 20 دولارًا فلماذا يقولون إن سعر برميل النفط «100» دولار، في السابق كانت السلطات تدعم المزارعين ببترول رخيص وتمنينا استخراج البترول لدعم القطاع الزراعي وحدث ذلك وانتقلت عوائده إلى أشياء بعيدة عن دعم القطاعات الاقتصادية الحقيقية مثل الزراعة والصناعة وذهب إلى حيث لا ندري لأن الزراعة تم تدميرها ومازلنا حتى الآن نتعامل على أساس أن الزراعة قطاع غير سوداني في حين أن دعمها ببترول سوداني بسعر التكلفة هو الأمر البدهي ولهذا لم أتوقع زيادة المحروقات بل أن يتم دعم المزارعين ببترول ونفط سوداني رخيص، ولكن ما يقوله مسؤولو الدولة أمرٌ عجيب كأنهم يعيشون في بلد غير السودان ولا يأكلون من خيرات هذا البلد، ولا أقبل فرضية استخدام الفرصة البديلة في حساب سعر النفط.. جرى تعديل الموازنة منذ يناير ثم طرحت الدولة البرنامج الإسعافي الثلاثي.. ألا يُعتبر هذا أكثر من سقوط للموازنة في نفس العام؟ أعتقد أن الموازنة لم تُوضع بأرقام حقيقية وأنها اعتمدت على موارد غير منظورة وموجودة، وبالتالي حين حدث انفصال الجنوب لم تكن هناك خطة طوارئ وإنما كان الاعتماد على موارد غير حقيقية ودار حديث كثير عن ماهية الآثار التي ستحدث بعد الانفصال وكان الواضح أن النفط بنسبة «75%» من الموارد التي تحت أيدينا ولكن لم يؤخذ هذا في الاعتبار في الموازنة وبالتالي أتت الموازنة غير حقيقية ومبنية على آراء غير علمية وحدثت الصدمة، ولهذا كان لابد من وضع ميزانيتين موازنة كما يريد المتنفذون والأخرى حقيقية تسمى موازنة الطوارئ، وهي التي تُطبق في حالة وقوع الكارثة ولكنها وقعت ونحن لا نملك فكرة عما نملك أوما هي الموارد وكيف نتصرف!! الترهل بجهاز الدولة التنفيذي والتشريعي يستهلك نسبة كبيرة من موازنة الدولة.. هل يمكن لخطوة الترشيد أن تُقيل عثرة الاقتصاد؟ هذه الخطوة لن تُجدي لأن الاقتصاد السوداني إن لم تحدث فيه إعادة هيكلة اقتصادية وإدارية كاملة لن يحدث أي نوع من التعافي لأن النمط لا يختلف، فحتى مع حدوث الكوارث والأزمات نجد نفس المفاهيم تُطبق وكذلك الإجراءات الخاطئة، ووصلت إلى أننا نتعامل في الاقتصاد السوداني كما تتعامل الوداعية مع ما تتنبأ به لزوارها وأن الاقتصاد السوداني يُطبق بنظرية تعلم الحلاقة برؤوس اليتامى والذين هم أبناء الشعب السوداني والذين يُجرَّب عليهم كل النظريات ولا يوجد من يتحمل الأخطاء ومن ثم إذا لم تتغير الإدارة الحالية للاقتصاد السوداني لا يوجد أمل وإن قلصوا عدد الدستوريين، فلماذا لا يتخذون القرار الشجاع وهو إلغاء مفهوم الدستوريين على الإطلاق؟ ولا يمكن انتخاب مثل هذه المفاهيم التي تخلق نخبة تجد كل شيء والمواطن لا يجد شيئاً، فمجرد وجود مثل هذه الطبقة هو مخالف لمفهوم وجود الدولة.. الصحف تناولت مسألة تؤرق الجميع هي زيادة الإنفاق الحكومي وإن هناك تخفيضات في عدد الوزراء والدستوريين ولكن الأرقام التي ذُكرت غير صحيحة، أي أن هناك عمليات تغطية مازالت مستمرة في الاقتصاد السوداني.. فلماذ لا نُصلح أولاً الدولة بسلطاتها ومؤسساتها ثم نعود إلى زيادة العبء على المواطن ولماذا نحمّله كل الأعباء والمسؤوليات التي ليس هو من صنعها.. القطاعات الاقتصادية المنتجة تشكو من الأعباء المالية التي تضعها الدولة على عاتقها من ضرائب وجمارك ورسوم مما يُخرجها من دائرة الاقتصاد.. هذه أزمة مزمنة لم تستجب لها الدولة ولم تحاول تخفيضها أو تقنينها وتُفرض الضرائب بصورة عشوائية وسبق لرئيس الجمهورية أن تحدث عن سحب المتحصلين للضرائب من على الطرق الرئيسة ولكن لم ينفذ حديثه أحد.. خروج إيرادات النفط من الموازنة والذي كان معلوماً منذ توقيع نيفاشا وعدم وضع الحكومة لاحتياطات لهذه العقبة إلا بعد الانفصال.. كيف تقرأ ذلك؟ أنا أنظر بأسى لما يحدث الآن؛ فنيفاشا كانت أمام الكل ولكن للأسف لم يوجد من يقرأ نصوصها أو ما بين سطورها، فقد كانت توجد نصوص الانفصال واضحة وقد صرّحت بذلك ولم يسمع أحد ولذلك لا يمكن أن أركن إلى اتخاذ هذه الإدارة لقرار صحيح لأنها كلها خاطئة فنيفاشا فيها نصوص المشورة الشعبية وفيروس انفصال جنوب كردفان والنيل الأزرق، فلماذا لا نقرأ الأوراق التي تُعرض علينا؟ ولذلك انفصال الجنوب وذهاب النفط كان موجوداً لماذا لم يأت ذكر اتفاق بين الطرفين على الموارد وخاصة النفط؟