بعض الناس إذا علم إنك مسافر وراجع سيكلفك بأن تحضر له معك شيئاً. وقد أوصاني أحدهم، والوصية بالطبع في الذمة، أن أحضر له معي واحد لاندروفر، ويا حبذا لو كان بدون جمارك. ولكن الأمر القاسي الذي جعل مشطوب يخاصمني ويشيع بين الناس أنني شخص لا خير فيه، وأن الذي يرجاني لن يجد شيئاً يملأ به فمه إلا التراب.. له علاقة ما بموضوع الهوبات التي طلب مني الأخ مشطوب أن أحضرها له من رحلتي إلى الخارج، وقد صادرتها إدارة الجمارك بصفتها معدات محظورة، وقد تمكنت من معرفة السر الذي يجعلها كذلك.. فقد قال مفتي الجمارك وهو الرجل الذي اشترك في كتابة التعريفة الجمركية لمعاهدة بروكسل وما وراء البحار.. إن الهوبات هي الأدوات التي تركب عليها الإطارات .. ولولا وجود الهوبات لما كانت هناك إطارات. ولكن هناك مصنعاً معتبراً في السودان لإنتاج الإطارات، ولذلك يجب أن يدخل ذلك الإنتاج ضمن الحماية التي تضفيها الدولة على الصناعات السودانية، فإذا كانت الإطارات محمية ومحظوراً استيرادها فمن باب أولى أن تحظر «البتاعات» التي تركب عليها تلك الإطارات، وقد تصادف أن كانت تلك البتاعات هي الهوبات.. ولو كانت الإطارات تركب على الدركسون لصدر قرار بحظر الدركسونات يميناً أو شمالاً. وقد كان أن سمع مشطوب الذي كنت أعتقد أنه على علاقة بنوع معين من العربات.. المهم سمع مشطوب بقصة الهوبات التي توقفت في مطار الخرطوم دون أن تواصل مشوارها إلى المنزل الكائن بالقرب من محطة شقلبان بالقرب من الماسورة.. فجاءني في منزلي .. وبعد السلام والتحيات وبعد أن قتلنا موضوع الهوبات بحثاً .. وانو الجماعة ما ليهم حق في مصادرتها قال لي: شوف يا أخوي .. انا موضوعي ولافيهو هوبات ولا حاجات زي دي .. كل الحكاية الموية اليومين دي بقت غالية جداً.. وأنا بفكر أعمل لي عربية كارو وأركب عليها برميل وآخد الموية من البحر وأوديها لناس المرخيات والثورة الحارة ستين والحارات البعدها.. باقي الموية بتجيب قروش كثيرة والناس ما ممكن يستغنوا عنها.. دحين يا أخوي عايزك تجيب لي معاك لقم حديد نركب عليهم العجلات وبما أنها لقم .. لعربة كارو .. فإن الجمارك لن تعرفها وإذا عرفتها فإنه ليس في قاموسها إسبيرات لعربات الكارو. ووجدت الموضوع غاية في الطرافة، فالسيد مشطوب يريدني أن أحمل مع عفشي عندما أحضر مرة أخرى لقم مجهولة الهوية لن يعرفها رجال الجمارك، وبذلك أستطيع أن أثأر منهم ومن الهوبات التي صادورها.. فقلت له واللقم دي بتاعة شنو؟ فقال: بتاعة أي حاجة .. قندران .. مرسيدس سيكس .. لوري هينو .. وقالوا عندكم هناك مرمية في محلات الخردة مجاناً تشيل. قلت للسيد مشطوب: وإنت عايز تجر الكارو بشنو؟ فقال: بحمار طبعاً .. ناس عمنا عندهم حمار في ود البخيت ماعارفين يعملوا بيهو شنو .. قلنا نشغلوا على الأقل يقدر يطلع عليقته. قلت: يعني حيكون شغال ببطنو؟ فأجاب: أيوه .. وهو لاقي يأكل ويشرب ويهنق مجاناً؟ فقلت: لكن جمعية الرفق بالحيوان مش حتخيلكم وحتقول ليكم ده استغلال بشع للحيوان. فقال: حلك .. لما يسعموا بيهو .. وبعدين يا أخي نحنا هنا ما عندنا حاجة زي دي. فقلت: أنا عندي اقتراح أحسن من كده .. أولاً الحمار كسلان وما بقدر على الشغل ده.. وإنت عايز تعمل ليك كم قلبة في اليوم .. وده يا دوبك يعمل قلبة أو بالكتير قلبتين .. ليه ما تفكر تجيب جمل أبو سنامين .. وأهو ده قوي جداً وكل سنام بيعمل قلبتين .. يعني في اليوم تعمل أربع قلبات. فقال وهو غير مصدق: جمل أبو شنو؟ - جمل أبو سنامين. - وده يجيبوه من وين؟ - موجود في صحراء جوبي في الصين وموجود في أفغانستان، وبالمناسبة هو أصغر حجماً من الجمل العادي بتاعنا، إلا انو أقوى منه وبيتحمل العطش والدردرة، وكمان مهيأ للمناطق القاحلة زي المرخيات وغيرها .. والاستراليين جابوا جمل عادي بسنام وجابوا انثى بسنامين وهجنوهم سوا عشان يطلع نوع في حجم جملنا وفي قوة الجمل أبو سنامين .. وعلى العموم انت أحسن ليك أبو سنامين الصغير ده أولاً لانو استيريو في كل سنام تخت سماعة ومكندش وما عنده مشاكل .. وبيأكل شوية جداً يعني الكليقة تقعد معاهو تلاتة أيام.. وانشرح صدر السيد مشطوب للجمل أبو سنامين وقال إنه يعتمد على الله ثم على حضرتنا في إحضار اللقم وفي إحضار الجمل أبو سنامين .. وأخذ يتحدث في جميع المجالس بأنني قد وعدته قبل أن أغادر السودان بأن أتصل بأحد أصدقائي في صحراء جوبي أو في أفغانستان لإحضار جمل أبو سنامين .. وأن الباخرة التي سترسو في ميناء بورتسودان سيكون على متنها واحد جمل بسنامين. قلت للسيد مشطوب: يجب أن تكون عندك دراسة جدوى.. أولاً تجهز كشفاً بأسماء الأشخاص الذين سيتعاقدون معك على الماء بالشهر.. والماء الذي يمكن أن تبيعه في السوق الحر أي وسط الأحياء عشوائياً .. وإمكانية أن يتوسع هذا العمل ليصبح في شكل أسطول من الجمال الاستيريو.. وما إذا كان في الإمكان توليد تلك الجمال محلياً. والغريب في الأمر أن مشطوب صدق كل ذلك، وأنه في مقدوري أن أجلب له اللقم ومعها الجمل الاستيريو.. وعاش على هذا الأمل.. حتى كان ذات يوم تناقلت فيه الصحف نبأ وصول حيوان عجيب على سفينة في بورتسودان وأنه في طريقه إلى الخرطوم .. فأيقن مشطوب أن أبا سنامين قد وصل . ولكن مشطوب أُصيب بخيبة أمل كبيرة عندما وصل ذلك الحيوان، واتضح أنه حيوان اللاما ابن عم الجمل، وفي طريقه لحديقة الحيوان بكنانة، إلا أنه لا يملك ولا سنام واحد.. ومنذ ذلك اليوم وأنا في عداد الذين لا يُرجى منهم حسب اعتقاد مشطوب. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع.. واغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.