منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    شاهد بالصورة.. ناشطة سودانية تسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد ظهورها الأخير: (كدي خلي الفاشر اجري حصلي نفسك بحقنة "بوتكس" ولا أعملي "فيلر" لانه وشك من التجاعيد ح يقع منك)    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    النائب العام للسودان في سجن الدامر    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحداث ليلة 17 نوفمبر 1958على لسان ابراهيم عبود قائد الانقلاب
نشر في الانتباهة يوم 04 - 07 - 2012

عندما نتناول في حلقاتنا القادمة محاكمة أبطال نوفمبر من قدامى المحاربين لا بد أن نحكي للناس كيف تم تنفيذ الانقلاب والاستيلاء على مقاليد الحكم وكيف جرت أحداث أكتوبر وسقوط ثورة نوفمبر ومن هنا نبدأ أحداث ليلة «17 نوفمبر 1958م» على لسان قائد الثورة الفريق إبرهيم عبود.
{ من النهار إلى الليل
هكذا بدأنا نفكر جدياً في الثورة، بدأنا نضع الخطة لتنفيذ الانقلاب الذي يريده كل مواطن سوداني ويريده الشعب، لقد كان النجاح مضموناً لأن شعب السودان هو الذي يريد ثورة على الأوضاع وقررنا أولاً أن ننقل اجتماعاتنا من النهار إلى الليل، قررنا أن نجتمع أربع ساعات على أن يتم الاجتماع في مكتبي برئاسة القوات المسلحة مرتين في الأسبوع، والمفروض أن جميع الضباط يأتون إلى مكتبي دائماً، كما أننا نجلس دائماً في مكتبي بالليل كأصدقاء ولم يكن أحد يشعر أننا نختار رئاسة الجيش لندبر فيها انقلابًا.
إن اجتماعنا في المنازل قد يثير الشك ولكن اجتماعنا في رئاسة الجيش وأمان الجميع لا يمكن أبداً أن يكون وراءه ثورة بل على العكس إنه دائماً لإخماد ثورة، وقد علمتني خبرتي في صيد الحيوانات فأنا أهوى الصيد واصطدت عدة أسود وأفيال وحيوانات أخرى علمتني خبرتي أنك تصطاد أسهل لو أتيت من مكان آمن لفريستك، إن الضربة في هذه الحالة تكون صائبة مائة في المائة لأنك تأخذ الوقت الكافي لإعداد سلاحك وتصويبه بينما فريستك آمنة تترك لك هذه الفرصة.
{ وضعنا الخطة
واتفقنا عليها كلها ووضعنا استعدادنا لكل شيء وقدرنا كل الاحتمالات، كان حساباً دقيقاً لكل ما يمكن أن يحدث وكل ما نفعله للقضاء عليه، ولم يكن وضع كل الاحتمالات غير المنتظرة في الخطة معناه أننا ننتظر شيئاً، فقد كنا نعلم أن الشعب سيرحب بخطوتنا لأنها ثورية، ولكن الأيام وتربيتنا العسكرية عودتنا ألا نترك شيئاً للظروف، وأن نحتاط للأسوأ، فإذا حدث الأحسن كان ذلك في مصلحتنا، وعقدنا اجتماعًا حاسماً في قيادة القوات المسلحة لقد حددنا في هذا يوم تاريخ الانقلاب وجعلنا 16 نوفمبر 1958م وكان هذا اليوم هو اليوم السابق لافتتاح البرلمان، وكانت أمامنا الفرصة لنحرك القوات العسكرية كما نريد دون أن يشك في أمرنا أحد، إننا سنتخذ من حجة افتتاح البرلمان ستاراً نخفي وراءه الغرض الحقيقي من تحرك القوات، قررنا زيادة حامية الخرطوم وبدأنا في وضع الخطة التفصيلية لكل شيء، بدأنا نحدد الأسماء التي ستنفذ الأوامر، عدد الجنود والسيارات المصفحة والدبابات التي سنحتاج إليها في كل شارع والأماكن التي سنتولى حراستها لحماية الثورة.
{ كنا نريد حمايتهم
وقررنا في هذا الاجتماع أن نضع حراسة على منازل السياسيين القدامى يوم الانقلاب وأن نمنعهم من مغادرة دُورهم، ولم تكن هذه الحراسة لأننا نخافهم بل كانت لحمايتهم من غضب الشعب، كانت الجماهير ستفتك بهم يوم الثورة، وكنا نريدها ثورة بيضاء بلا دماء، إننا لا نريد القتل ولكننا نريد إصلاح الأمور، نريد رفاهية الشعب فقط.
وبدأنا نحدد الثورة بالأسماء والأرقام، فرقة كذا بقيادة فلان ستتحرك إلى نقطة معينة في ساعة محددة وفرقة أخرى تتولى حراسة المنشآت وهكذا لم يكن أحد يعلم بهذه الخطة إلا نحن قادة الثورة ال13 ضابطاًَ، كنا وحدنا فقط الذين نعرف كل شيء، ولم يكن أي ضابط في الجيش عنده أي معلومات على الإطلاق، كان على كل واحد منهم أن ينفذ الأوامر التي تصدر إليه والضباط لهم ثقة عمياء بقائد الجيش، وانتهى إعداد الخطة في 3 أسابيع كنا نعد ونراجع ونضيف ونحذف ونجد احتمالاً ثم نعدل عن هذا الاحتمال، كنا نناقش الخطة بدقة لنحاول سد أي ثغرة فيها انتهى وضع الخطة وبدأ العمل لتنفيذها.
كان أمامنا أسبوعان للتنفيذ فقط وكان أمامنا عمل كبير، كان يجب أن يتم نقل القوات بسرعة ويجب أن يكون كل قائد في قيادته في المنطقة التي سيشرف منها على الانقلاب حتى يمكنه في ساعة الصفر أن يبدأ التحرك، قواد الجنوب يجب أن يكونوا في مراكزهم قبل حدوث الانقلاب وأن تكون قواتهم كاملة السلاح ومستعدة لأي طارئ، قواد المنطقة الشمالية أيضاً يجب أن يكونوا في مراكزهم، ثم الخرطوم العاصمة التي يجب أن تتركز فيها قوات كبيرة لأنها أهم نقطة في الانقلاب.
{ نقل الجنود للخرطوم
وبدأ نقل الفرق بهدوء من الجنوب والشمال إلى الخرطوم، إنني لن أسجل هنا عدد القوات التي استخدمناها في الانقلاب لأن هذا سر عسكري ولكني أسجل في مذكرتي أنه قام بتنفيذ الانقلاب في شوارع الخرطوم أربعة آلاف جندي وأربعون دبابة وسيارة مصفحة وأن الاحتياطي الذي كان موجودًا داخل الثكنات لمواجهة أي طارئ كان احتياطياً كبيراً ويكفي لكل شيء، الأسبوع قبل الأخير قبل الانقلاب، كان الموقف يغلي.. الأعمال لا تتم عامة، لقد كنت أستمع إلى شكاوى الشعب وصدري يغلي، كنت أتمنى لو استطعت أن أصرخ فيهم إننا سننقذكم، إننا لن نترككم، إن الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش، ولكن القسم الذي أديته على المصحف وكتمان السر لنجاح الانقلاب كانا يمنعاني من الصراخ، كنت أريد أن أقول ومازلت أريد أن أقول للناس إنني لا أطمع في حكم ولا أريد مركزاً كل ما أريده هو سعادة شعب ونهضة أمة.
وكنت أنظر حولي في البلاد التي تعيش في نفس ظروفنا فأجد أن الانقلابات العسكرية قد أفادتها وأنها تقدمت بها إلى الأمام خطوات سريعة عاجلة، في مصر حدث تقدم بعد الانقلاب وكذلك في العراق وكان إيماني بالثورة يملأ دمي ويريد أن يخرج ليخبر كل مواطن بما يحدث.
{ تعطيل الانقلاب «24» ساعة
وبدأ نقل الفرق إلى الخرطوم وهنا حدثت المفاجأة التي عطلت الانقلاب لمدة 24 ساعة لقد استُدعيت بعض الفرق من القيادة الوسطى والقيادة الشرقية لتعزيز حماية الخرطوم، ولكن هذه الفرق ولأسباب خاصة بالنقل والطرق تأخرت «8» ساعات وقررنا تأجيل الانقلاب 24 ساعة بأن يتم يوم 17 بدلاً من يوم «16» بسبب تأخير نقل الفرق اللازمة من أجله، وكانت الساعات تمر بطيئة قبل الانقلاب ولكني كنت سعيداً، كنت أشعر كإنسان سيرد الجميل لشعبه وأمته، أحس أنني أقوم بالواجب الذي أقسمت من أول يوم على أن أؤديه لم يكن الوضع هو قلب حكومة شرعية بل كان الوضع هو إحضار الحكومة التي يرضى عنها الشعب، وبدأ كل شيء يسير في طريقه المرسوم، وقررت أن أترك منزلي قبل الانقلاب ب «24» ساعة وأن آخذ زوجتي وأولادي وأذهب بهم إلى منزل والد زوجتي، إنني لم أكن أعرف ماذا سيحدث ولم يكن يهمني ماذا سيحدث، إنما كل الذي كنت أهتم به هو أن يكونوا هم بعيدين عن كل شيء.
وهنا أقف قليلاً من الأحداث المتراصّة التي تريد أن تسجل لأقول إن عائلتي هي أغلى شيء في وجودي، ولكن في هذه اللحظة تلاشى كل شيء ولم يكن هناك سوى كلمة واحدة مقدسة، إنها إنقاذ الوطن.. الله معنا.
واستطعت أن أقنع عائلتي بالرحيل، حاولوا معرفة السر فرفضت قلت إنني مشغول، افتتاح البرلمان وحالة طوارئ ولا أحد يعرف ماذا سيحدث، قالوا لقد افتُتح البرلمان قبل ذلك عدة مرات فلم تتخذ مثل هذا الإجراء فلماذا تفكر فيه الآن؟ قلت إن الحالة هذه المرة أقسى من الحالات السابقة، وأخيراً استطعت أن أقنعهم بأن يأخذوا ملابسهم ويذهبوا عند والد زوجتي، ووضعت الخوذة على رأسي وقلت لقد بدأ العمل، إن الله معنا، إنه لا يريد لهذا الشعب الضيم، يريد أن ينقذه لأننا شعب طيب تقي صريح وحتى هذه اللحظة قبل الانقلاب ب24 ساعة لم تكن ساعة الصفر قد حُددت، كان اليوم محدداً وتم تأجيله «24» ساعة كما كتبت، ولكن ساعة الصفر نفسها لم تكن محددة، وجلسنا نتداول في ساعة الصفر وكان الضباط والجنود جميعاً في ثكناتهم بملابس الميدان والأسلحة، والسبب الظاهر طبعًا البرلمان، لقد تحولت الثكنات الهادئة إلى معسكر حربي كبير، وجلسنا نفكر هل نجعل ساعة الصفر الرابعة صباحًا أو نجعلها منتصف الليل، وبدأنا نحسب الوقت الذي ستستغرقه العمليات الحربية، ثم قررنا أن نجعلها الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أي يبدأ تحريك الجنود من ثكناتهم إلى المواقع المحددة في الخطة في الساعة الثانية تماماً ويتم كل شيء قبل الرابعة والنصف صباحاً لقد كانت العمليات سريعة ومحددة وكل واحد محدد له دوره بدقة، الأماكن التي سيحرسها، طريقة الحراسة وعدد القوات، كل ذلك كان مسجلاً دقيقة بدقيقة.
{ آخر 24 ساعة قبل الانقلاب
وهنا أترك المذكرات لل24 ساعة التي قبل الانقلاب إنها آخر صفحة دوَّنتها وآخر ما خطّه قلمي فيها، أما بعد ذلك فإن العمل المتواصل منعني من تسجيل ما حدث، ويومًا بعد أن تتحسن الأحوال سأجلس إلى مذكراتي مرة أخرى لأدون فيها بالحبر ما تمت كتابته بالدماء على صفحة الحياة، لقد كانت ال24 ساعة قبل الثورة هي أدق اللحظات التي مرت في حياتي، لم أكن أخاف أن يكتشف تدبير الثورة، ولكن كنت أخشى أن يحدث أي شيء من أي فرد غير مقدر للمسؤولية، وجلست وكان معي عدد من قادة الثورة أما الباقون فكانوا في مراكزهم في القيادات الأخرى لتنفيذ الأوامر.
{ خطابات الإقالة للحكومة السابقة
وبدأنا نعد خطابات الإقالة لأعضاء مجلس السيادة والوزراء، كنا نريد أن نكتبها على الآلة الكاتبة وفي مظروف أنيق لنعطيها لهم، ولكننا أردنا المحافظة على السرية التامة فيها ولذلك قررنا كتابتها بخط اليد وفكرنا أن تصدر الخطابات برسم مجلس الثورة، ثم عدلنا عن ذلك لأن مجلس الثورة لم يولد رسميًا وقررنا أن تصدر باسم قيادة القوات المسلحة وفي دقائق كنا قد اعددنا صيغة الخطاب لقد رأينا أن تكون صيغة مهذبة وهذا نصها: «إنها تبدأ أولاً بالاسم، ثم تخطركم القيادة العامة للقوات المسلحة بالاستغناء عن خدماتكم في الوزارة أو مجلس السيادة، حسب مركز المكتوب له الخطاب، وهي تشكركم على ما بذلتموه من خدمات، والإمضاء قائد القوات المسلحة الفريق: إبراهيم عبود».
وبدأت أكتب الخطابات لأعضاء مجلس السيادة الثلاثة ورئيس الوزراء والوزراء، كنت كلما انتهيت من كتابة خطاب أضعه في ظرف ثم يختم بالشمع الأحمر بختم القيادة العامة للقوات المسلحة، وأعددت «15» خطاباً للوزراء وأعضاء مجلس السيادة وانتهى إعداد الخطابات لتبدأ مهمة أخرى، إنها مهمة اختيار الضباط الذين سيحملون خطابات الإقالة ويسلمونها لأصحابها واختيار الوقت الذي ستسلم فيه الخطابات، لقد قررنا أن يحمل الخطابات ضابط كبير حتى يستطيع التصرف بسرعة وحتى يكون اختياره لائقاً بخطورة المهمة التي سيقوم بها، واخترنا ضابطين برتبة قائم مقام.
وكانت الفكرة الأولى أن يتم تسليم الخطابات بعد إعلان نبأ الانقلاب رسميًا، ولكنا قررنا أنه يجب أن تتم إقالة الحكومة القديمة أولاً قبل أن تعلن الحكومة الجديدة، لذلك تقرر أن يتم تسليم الخطابات لأعضاء مجلس السيادة والوزراء ورئيس الوزراء قبل الساعة السادسة والنصف، وهو الوقت الذي حددته لإذاعة بياني على الشعب من الإذاعة بأم درمان إنها أول مرة أدخل فيها الإذاعة وأتحدث في الميكرفون للجماهير، لقد كنت قبل ذلك أذيع رسائل للضباط والجنود في المناسبات ولكن كانت تسجل في مكتبي على شريط ثم تذاع ولم أدخل الإذاعة قط قبل يوم الثورة لأتحدث إلى الجماهير وكانت الساعة قد بلغت العاشرة مساء، كل شيء قد تم إعداده وباق على البدء في الانقلاب «4» ساعات كاملة.
{ العمل بسرعة
وأنتهزت هذه الفرصة للاتصال بقيادات الجيش في مختلف أنحاء السودان لمعرفة مدى استعدادها للقيام بالعمل، وجدتها كلها مستعدة للعمل بسرعة، لقد أعد كل قائد جنوده، أعطاهم السلاح وألبسهم ملابس الميدان ووقفوا على استعداد للتحرك في الدقيقة التي تصدر لهم فيها الأوامر، والدقيقة هي ساعة الصفر الساعة «2» صباحاً، وقررنا أن يتم الاتصال بين وحدات الجيش خلال فترة تنفيذ الانقلاب باللاسلكي، لأن التليفونات ستُقطع واللاسلكي أضمن وأسرع الطرق في الاتصال والاحتفاظ بسرية الاتصالات.
وبدأت الاتصالات السريعة التجريبية وبين أن جميع وحدات اللاسلكي ستكون مستعدة للعمل في ساعة الصفر وإنها ستبقى متصلة ببعضها طوال فترة الانقلاب لتكون شبكة لاسلكية تصل جميع الوحدات بعضها ببعض.
{ ساعة الصفر
كانت الساعة منتصف الليل وقررت أن أخرج إلى الخرطوم لأستطلع الأحوال لنفسي حتى أعرف هل تسرب خبر الانقلاب أم لا لأن تسرب الخبر قد يؤدي إلى نتائج لا نريدها أن تحدث، ووجدت شوارع الخرطوم هادئة، المرور فيها قليل كما هو الحال دائماً خلال هذه الفترة من الليل الناس الباقون في الشوارع يسرعون إلى منازلهم، المحال العامة والمقاهي بدأت تغلق أبوابها، لا أحد يحس أبداً بأن انقلاباً سيحدث بعد ساعتين وأن عهدًا سيزول وعهدًا جديداً سيبدأ وظللت نصف ساعة أتجول في شوارع الخرطوم الهادئة ثم عدت إلى الثكنات وبدأت العمل فوراً.. اجتمعنا لآخر مرة وراجعنا الخطة النهائية للانقلاب خطوة خطوة ثم بدأت الأوامر التمهيدية للقوات والاستعداد للتحرك وبدأت المعسكرات كخلية نحل، الجنود اصطفوا بجانب اللوريات التي ستحملهم إلى أماكنهم المحددة في الخرطوم إنهم يلبسون الخوذات ويحملون السلاح، جنود الدبابات والسيارات المصفحة وقفوا بجانب سياراتهم، الضباط على استعداد للتحرك في أي دقيقة، ونزلت أنا إلى الثكنات وطفت على الجنود بسيارة جيب، لقد كان كل منهم يحمل بطانيته وكأنه ذاهب إلى ميدان القتال، البنادق مليئة بالرصاص خزانات الرصاص الاحتياطية مملوءة وموضوعة في جيوب الجنود والخوذات على الرؤوس تعطيك فكرة أننا مقدمون على حرب حقيقية.
وكان كل شيء قد تم إعداده ببراعة والخطة ستنفذ كما وُضعت تماماً بلا أدنى تغيير، وجاءت ساعة الصفر الساعة الثانية صباحاً وصدرت الأوامر للضباط والجنود بالتحرك فوراً، سلمت الأوامر لكل ضابط، المنطقة التي سيذهب إليها، المكان الذي سيعسكر فيه، ماذا يفعل إذا واجهته ظروف مفاجئة، كان كل شيء معداً وأمام الضابط الأوامر للتصرف ومواجهة كل الاحتمالات، وبدأت الطوابير الضخمة تخرج من مبنى وزارة الدفاع، أهم الجنود يحملون السلاح، لقد بدأت الثورة.
الفريق إبراهيم عبود.
نقلاً عن صحيفة أخبار اليوم السودانية الصادرة بتاريخ 17/11/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.