الكثيرون يعتقدون أن اتفاقية السلام الشامل التي وُقِّعت في العام 2005 كانت سببًا في إحلال السلام بإنهائها حربًا دامت لأكثر من عشرين عامًا بين الشمال والجنوب والتي انتهت بتنفيذ تام من جانب المؤتمر الوطني، وقبوله بالانفصال الذي ظل ينادي به الجنوب في كل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان.. الحركة منذ تأسيسها كان لديها منفستو وفهم محدد، فهي تسعى جاهدة لتأسيس دولة علمانية فقد أصرت على موقفها الأمر الذي يعكس المشاكسات التي صاحبت اتفاقية السلام الشامل بينما أكد الأمين السياسي للمؤتمر الوطني الحاج آدم في ندوة «الحركة الشعبية ومحاولات إشعال الحرب» أمس والتي نظمها الاتحاد العام للطلاب السودانيين أن الحركة منذ توقيع الاتفاقية عمدت إلى إستراتيجية بأن تؤسس دولة في الجنوب وتكون حاضنة ليرقات في السودان بغية نموها واللحاق بالحشرة الكبرى «الجنوب» بعد انفصاله وبعد فشل مخطط الحركة في أبيي نفذوا هجومًا على جنوب كردفان لكي تكون نقطة انطلاق وتستمر الخطة للمره الثالثة حتى تضع يدها على النيل الأزرق، ويؤكد الحاج في حديثه أن ما قام به عقار كان مرصودًا ومراقبًا منذ تصريحاته بتمنيه لسودان جديد، فقد استطاع أن يستميل ضعاف النفوس ويمنِّيهم بأنه المنقذ للبلد، وقوله بأن الحرب آتية لا محال ولابد أن نستعد لها، فضلاً عن أنه والحديث للحاج آدم كان يحس بأنه رئيس دولة، وينصت لسلفا كير وليس ما يقوله رئيس الجمهورية، وبدلاً من أن يذهب لرئيس الجمهورية ذهب لملس زناوي ليأتي معه للبشير، كل هذا التسلسل يوضح بجلاء النية المسبقة مع سبق الإصرار والترصد للحركة أنها تريد أن تنفذ برنامجها وعجزت عنه. غير أن الخبير الإستراتيجي د. محمد العباس الأمين في ذات الندوة أرجع أحداث النيل الأزرق إلى الأهمية الإستراتيجية التي تتمتع بها الولاية، فهي من أغنى ولايات السودان قبل الانفصال أما الآن فهي تعد سيدة الولايات، لافتًا إلى أن ما حدث من تمرد في السودان اقتصر على المناطق الغنية وأن كل المناطق التي تعج بها المشكلات هي ذات المناطق التي تتمتع بمواقع إستراتيجية من الناحية الاقتصادية وعلى رأسها «النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي»، ويؤكد العباس أن نيفاشا أعطت عقار ما لا يحلم به، ومنحته حقوقًا أسطورية بأن حلت له كل قضاياه العسكرية، المناطق التي استولى عليها هي المفاصل الرئيسية للتمرد «أولو ودندرو» أعطته حرية تحرك من الرصيرص والدمازين وجنوب كردفان، وخطؤه أنه أطاح التداول السمي للسلطة، وبالرغم من كل ما يتمتع به الإقليم من امتيازات كان يمكن أن يستفيد منها الرجل إلا أنه أدخل النيل الأزرق في نقطة حرجة جدًا بإشعاله الحرب، ولفت العباس الانتباه إلى أن المشكلة التي ستواجه السودان دخوله مع المجتمع الدولي في مواجهة، وكشف في حديثه أن الدور الذي تلعبه إثيوبيا ليس من منطلق الصداقة فهي ليست الدولة الصديقة فقد ارتكب السودان خطأًَ فادحًا بقبول القوات الإثيبوبية كقوات دولية، واعتبر العباس تدخل المجتمع الدولي كارثة حقيقية، مشيرًا إلى أن التدخل الأجنبي بدأ بطلب أمريكا أن تتناقش وتتحاور مع عقار حول إيجاد حلول مناسبة للأزمة، مبديًا استغرابه أنه لأول مرة تتفاوض دولة مع فصيل متمرِّد.