إن من الفطرة التي جُبل كل أحد عليها، حنينُ كل شخص من الناس إلى من يرى رأيه، ويدين دينه، وهذا أمر يجده كل أحد في نفسه. سادتي الكرام ولاة الأمر: إني لواد مخلص، ورجائي اليوم أقوى من رجائي أمس، وأملي غداً أبسط من أملي اليوم، رغم أني صرت أشكو الأرق فكراً فيما يقال، وتحفظاً مما ينال، وتوهماً لما يكون إن كان، من شر العدا الذين يتمنون لأولي نعمتهم الردى، ويبيتون النكائث، ويكسرون الأجفان، ويتجاهرون بالأذى، ولما كانت محبة الرجال للرجال حاملة على قبول الباطل، وبغض الرجال للرجال فتنة مفضية إلى ردّ الحق صار لزاماً علينا النصح وقول كلمة الحق، التي لا خير فينا إن لم نقلها لكم بالتي هي أحسن، ولا خير فيكم إن لم تسمعوها منا، هدينا في ذلك: (أصابت امرأة وأخطأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه). قال الحطيئة: الشعر صعب وطويل سلمه والشعر لا يسطيعه من يظلمه * إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه * يريد أن يعربه فيعجمه وقال بعضهم: الشعراء فاعلمنّ من أربعه فشاعر لا يرتجى لمنفعه * وشاعر ينشد وسط المعمعه وشاعر آخر لا يجرى معه * وشاعر يقال خمر في دعه وقال مروان بن أبي حفصه: زوامل للأشعار لا علم عندهم * بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا * بأوساقه أوراح ما في الغرائر وقال القاضي أبو علي التنوخي: حدثني المسرحي أحد خلفاء القضاة ببغداد، قال: حدثني أبو عبد الله الزعفراني، قال: كنت بحضرة أبي العباس ثعلب يوماً فسئل عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل، وإليك الرحلة من كل بلد؟ فقال للسائل: لو كان لأمك بعدد لا أدري بعر لاستغنت. وسئل الإمام الشعبي رحمه الله عن مسألة فقال: لا أدري فقيل له: فبأيّ شيء تأخذون رزق السلطان؟ فقال: لأقول فيما لا أدري لا أدري! وقال أبو وهب محمد بن مزاحم للشعبي: إنا لنستحي من كثرة ما نسأل فتقول لا أدري، فقال: لكن ملائكة الله المقربين لم يستحيوا حين سئلوا عما لا يعلمون أن قالوا: (لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)، مما سبق من أقوال الشعراء وكلام السلف يكمن الداء في اختلاط الحابل بالنابل، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كما لكل مقام مقال، وحادثة حديث، أصبح في بعض الأحيان يولى من يضر من يجب نفعه، وينفع من يجب الإضرار به، ويزكي من لا خير فيه، ويذم من لا تذم مساعيه، ويشكر المذموم، ويذم المشكور، فيهد ما لا تبنيه السيوف والرماح في السنين المتطاولة عليكم أيها الأحبة الكرام من أمرنا بطاعتكم شرعاً وحرمة الخروج عليكم معتقداً، تولية من له دين يحجزه عن ارتكاب المآثم، وورعٍ يزعه عن احتقاب المحارم، وأمانة لا تمتد يده منها إلى رشوة تحسن له الدخول في المسالك المذمومة، ونزاهة نفس تصدفه عن الشهوات الموردة للموارد المكروهة وإن لا يولي (الجاء يكحلها عماها). أما أنت أيها الشعب العظيم المعلم: عل حميمة بن رافع عناك عندما أجاب عامر بن الظرب بسؤاله عمن أكرم الناس عشرة؟ قال: من إن قرب منح، وإن بعد مدح، وإن ظلم صفح، وإن ضويق سمح، ومن أجدر الناس بالصنيعة؟ قال: من إذا أُعطي شكر، وإذا مُنع عذر، وإذا موطل صبر، وإذا قدم العهد ذكر. فإن كانت المعالجات الاقتصادية الأخيرة من مقتضيات هذه المرحلة ومتطلباتها وإن كانت الجراحة دون بنج، وإن كان لازم العلاج الكي بالنار فلنتأسّ بمن قال: ما دام الجوع يطرد بالرغيف اليابس فعلام تكثر حسرتي ووساوسي فإن في ذهاب هذه الحكومة، ذهاب السودان كله وليس المؤتمر الوطني أو الإنقاذ وحتى لا يُساء الفهم كما في مقالاتي السابقة فإنني لا أنتمي للمؤتمر الوطني إنما ولائي لله ورسوله والمؤمنين وانتمائي لك أيها الشعب العظيم ولقواتنا المسلحة الباسلة الظافرة قال الشاعر: وأسني العطايا العقل مقترناً * بغنى يكفُ وصحة البدن وأشد ما فجع الزمان به * فقد الصبا والإلف والوطن أيها الشعب العظيم الكريم: علينا بالرجوع إلى الله تعالى، وتغيير ما بأنفسنا ثم التحلي بالصبر الجميل، لا سيما ونحن مقبلون على شهر التوبة والأوبة والغفران والدعاء ثم الحج، وعلينا الاقتداء بسير الصالحين من سلف هذه الأمة، كما ذكر الأصمعي قال: كنت أغشى بيوت الأعراب، أكتب عنهم كثيراً حتى ألفوني، فأنا يوماً مار قالت لي امرأة: يا أبا سعيد ائت ذلك الشيخ فإن عنده حديثاً حسناً فاكتبه إن شئت، قلت: أحسن الله إرشادك فأتيت شيخاً هِماً فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: من أنت؟ قلت: أنا عبد الملك ابن قريب الأصمعي وقد بلغني أن عندك حديثاً حسناً معجباً رائعاً، وأخبرني باسمك ونسبك، قال: نعم، أنا حذيفة بن سور العجلاني، ولد لأبي سبع بنات متواليات، وحملت أمي، فقلق قلقاً كاد قلقه يفلق حبة قلبه، من خوف بنت ثامنة: فقال له شيخ من الحي: ألا استغثت بمن خلقهن أن يكفيك مؤونتهن، قال: لا جرم! لا أدعوه إلا في أحب البقاع إليه، فإنه كريم لا يضيع قصد قاصديه، ولا يخيب آمال آمليه، وأتى البيت الحرام وقال: يا رب حسبي من بناتٍ حسبي*شيبن رأسي وأكلن كسبي إن زدتني أخرى خلعت قلبي* وزدتني هماً يدق صلبي فإذا بهاتف يقول: لا تقنطن غشيت يا بن سور بذكرٍ من خيرة الذكور * ليس بمثمود ولا منزور محمدٍ من فعله مشكور * موجهٍ في قومه مذكور فرجع أبي واثقاً بالله جل جلاله، فوضعتني أمي، فنشأت أحسن ما نشأ غلام عفةً وكرماً، وبلغت مبلغ الرجال، وقمت بأمر أخواتي وزوجتهن، وكن عوانس، ثم قضى الله أن سترتهن ووالدتي، ثم منَّ الله علي أن أعطاني فأوسع وأكثر وله الحمد، وولدت رجالاً كثيراً ونساء، وإن بين يدي القوم من ظهري ثمانين رجلاً وامرأة. فأكثروا من الدعاء أيها الصائمون ويا أيها الحجّاج ويا أيها المضطرون يجبكم. ثم ليكن حالنا كما قال الشاعر: تعز فإن الصبر بالحر أجمل*وليس على ريب الزمان معول فلو كان يغني أن يرى المرء جازعاً*لنازلة أو كان يغني التذلل لكان التعزّي عند كل مصيبة * ونازلةٍ بالحُرّ أولى وأجمل فكيف وكل ليس يعدو حمامة* وما لامرئ عما قضى الله مزحل فإن تكن الأيام فينا تبدلت * ببؤسى ونعمى والحوادث تفعل فما ليّنت منا قناة صليبة* ولا ذللتنا للتي ليس يجمل ولكن رحلناها نفوساً كريمة* تُحمَّل ما لا يُستطاع فتحمل وقينا بعزم الصبر منا نفوسنا* فصحّت لنا الأعراض والناس هزل «وصبراً أيها الشعب المعلم شدة وتزول» وتذكروا نعمة الوفرة والأمن.. حفظ الله بلادنا من كل شر.. وحفظ ولاة أمرنا وأئمتنا وسدد خطاهم ورزقهم البطانة الصالحة.. آمين. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد * قوات سلام السودانية القومية