حينما فكرت الحركة الإسلامية في أن تصل إلى السلطة لاستئناف الحياة الإسلامية لم يكن هذا الهدف بذي صلة بواقع اقتصادي بطريقة مباشرة، فالظروف الاقتصادية لا علاقة لها بالمبادئ وإنما مرتبطة بمعطيات معينة مثل حجم الموارد وحجم السكان وموقع الدولة الجغرافي. و«عام الرمادة» أو عام المجاعة الشديدة كان في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وهو أفضل حاكم في الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، وفي العهد الأموي انتعش اقتصاد الدولة الأموية حتى لم يجد القائمون بأمر بيت المال «وزارة المالية» من يستحق الزكاة غير العاملين عليها، أما ابن السبيل إلا إذا كان قادماً من خارج حدود دولة المسلمين التي كانت عاصمتها دمشق، والآن فإن أفظع المظاهرات تشهدها دمشق ليس بسبب المجاعة بل بسبب المطالبة ببسط الحريات وإقامة الشريعة الإسلامية، وهذا ما يجعل القوى الأجنبية المعارضة أصلاً للنظام السوري تتماطل في التحرك من خلال منظمة الأممالمتحدة ضد سلوك نظام حزب البعث السوري ومن ورائه الطائفة النصيرية المدعومة من بعض الدول المعادية لنصف شعبها. فالمظاهرات ليس من المنطق أن تنطلق لأسباب اقتصادية والقوى المعارضة التي كانت من قبل في السلطة وفشلت اقتصادياً وشهد عهدها صفوف السلع الضرورية تفهم هذا، لكن الانتهازية السياسية تمنعها من أن توجه بأن تنطلق التظاهرات من منطلق سياسي لا اقتصادي. وقد كان الوضع قبل انتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت نميري أفضل منه بعد الانتفاضة، ونقصد هنا الوضع الاقتصادي طبعاً.. وكذلك كان أفضل الوضع الأمني قبل انتفاضة أبريل، وكانت عقدة المتمردين في جنوب السودان شيئاً اسمه هيبة نميري وبعض كبار الضباط والذين عملوا بالجنوب مثل اللواء صديق البنا، ولذلك كانت انتفاضة أبريل لصالح التمرد وليس لصالح الشعب مثلما كانت مؤامرة «21» أكتوبر الكنسية لصالح التمرد والجواسيس وليس لصالح الشعب. والملاحظ أن هذا الشعب السوداني لم يخدمه بإخلاص إلا ضباط الجيش بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق والأمين العام لحزب الأمة العميد عبد الله بك خليل، فحينما رأى التلاعب بالمصلحة العليا للشعب بين القوى الحزبية رأى أن حسم هذا التلاعب الحزبي في إطار المنافسة في السلطة يكون بتسليم الحكم لزملائه الضباط في الجيش وقد استدعى القائد العام للجيش الفريق إبراهيم عبود ليسلمه السلطة وبارك التسليم السيد علي الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي، وكانت آخر تظاهرات ضد حكم عبود في أكتوبر «1964م» بسبب المطالبة بإعادة الديمقراطية «وكان القرشي شهيدنا الأول» وهو الطالب الذي قتله رصاص القناصة وليس سلاح رجال الشرطة.. كله تلاعبًا ولعبًا ولهوًا وزيفًا ودجلاً سياسيًا وشعوذة حزبية يراد لها الآن أن تعود في ظروف اقتصادية معينة.. جاءت بأسباب معينة فوق إرادة البشر.. إن عام الرمادة كان في عهد عمر، وعام انتعاش الاقتصاد اليهودي كان في عهد شارون في إسرائيل.. فماذا يساوي شارون إلى جانب سيدنا عمر؟! وهذا السؤال غير مطروح على أحباب ومريدي وأحفاد أبي لؤلؤة الفارسي. إذا كانت التظاهرات أو الرغبة فيها بدافع المطالبة بمعالجة الظروف الاقتصادية فتبقى إذن حرثاً في البحر مع الإضرار بمصالح المواطنين العامة والخاصة.. أما إذا كانت من أجل حماية أولاد وبنات البلد مثلاً مما يواجههم من بلاوى تجهلها معظم الأسر، فلا بأس.. إننا ينبغي أن ننظر إلى الأوضاع الاقتصادية من خلال (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر).. والمثل السوداني يقول «تجري جري الوحوش وغير رزقك ما بتحوش».. والرجل ذو الهمة يؤمن بأن الرازق هو الله وليس رئيس الجمهورية ولذلك يبذل الجهد ويسعى ليجد ما رزقه به الله، لا أن يقوم بالتظاهرات ليجد الرزق من «الرئيس».. أو من يأتي بعده إذا نزع الله منه الحكم.. أما تظاهرات جنوب السودان فهي مستحقة بالطبع لأن حكومة جوبا هناك تعمدت أن تحرم الشعب الجنوبي من عائدات نفطه لكي تحرم شعب السودان من عائدات رسوم عبوره، وأكثر من ذلك اعتدت على النفط السوداني الشحيح في هجليج.. لكن لعل إسقاط النظام في الخرطوم بسبب تطبيقه للشريعة، نكون واضحين.