ظلت الوعود الأمريكية للخرطوم على مدى السنوات الماضية في نظر الحكومة السودانية وعوداً كاذبة ولا قيمة لها ولا تأبه بها الأخيرة ولا تبني عليها أملاً، وورد على لسان عدد من المسؤولين تأكيدات بأن الخرطوم صارت لا تعوِّل على الوعود الأمريكية، وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية العبيد أحمد مروح في تصريحات سابقه بشأن الوعود الأمريكية التي أطلقتها واشنطن مؤخراً بتقديم مساعدات للسودان نظير قيامه بإعلان وقف فوري لإطلاق النار في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق إن السودان لم يعد يعوِّل سلباً أو إيجاباً على وعود واشنطن، وأفاض المروِّح في شرح طبيعة التعاطي الأمريكي مع السودان القائم على بالونات الوعود الفارغة السابحة في الهواء حسب تعبيره. الموقف السوداني ذاك لم يأتِ من فراغ فقد وعدت واشنطنالخرطوم أكثر من مرة وقدمت لها الكثير من الحوافز في سبيل تقديم المزيد من التنازلات ومن ثم تقديم شروط جديدة في كل مرة، فمنذ بدايات مفاوضات السلام لحل قضية الجنوب في العام 2002م ظلت واشنطن تقدِّم الوعد تلو الآخر وتقدم الخرطوم التنازل تلو الآخر فلا كذبت الخرطوم ولا أوفت واشنطن الأمر الذي دفع الرئيس البشير لإعلان زهد الحكومة في الجزرة الأمريكية لأنها حسب قوله مسمومة ومعفنة وذلك عندما قال مخاطباً أمريكا «ما دايرين جذرتكم لأنها عفنة ومسمومة أما عصاكم فلا نخاف منها لأننا جربناها قبل كده». لكن أمريكا قدمت للخرطوم أمس الأول في مؤتمر أهل دارفور للسلام والتنمية وعدًا جديدًا حيث أكد المبعوث الأمريكي جوزيف سانفورث التزام أمريكا بالتعاون مع الحكومة السودانية والسلطة الإقليمية لدارفور لإيجاد الحلول للقضايا الراهنة والتغلب على التحديات، وجدد حرص الإدارة الأمريكية على حث الحركات الرافضة لوثيقة الدوحة للانضمام للعملية السلمية ولكن مراقبين ضموا هذا الوعد إلى قائمة الوعود الأمريكية السابقة وعدوه مجرد حديث في مناسبة كانت تستدعي أن تقدم فيها الإدارة الأمريكية تطمينات للخرطوم ولأهل دارفور بشأن إكمال عملية السلام في الإقليم خاصة وأن أمريكا تدرك تماماً أن أكبر عقبة تواجه إكمال عملية السلام في دارفور وتشكل مهدداً أمام تنفيذ وثيقة الدوحة للسلام هي الحركات المسلحة التي تتحرك على الأرض ويرون أن أمريكا دولة مؤسسات وسياساتها لا تستند على أقوال مبعوثيها ولا يجد الأمر حظه من التنفيذ والاهتمام إلا إذا خرج من مؤسساتها المعروفة ووفقاً لقوانينها. لكن الكاتب والمحلل السياسي المعروف موسى يعقوب لا يستبعد أن تكون واشنطن صادقة في الإيفاء بوعدها هذه المرة مستندًا في ذلك على العديد من المتغيرات والمستجدات التي ربما حملت واشنطن على دفع الحركات المسلحة للانضمام لوثيقة الدوحة، أول تلك المتغيرات في رأيه يتعلق بدولة الجنوب التي صارت حركات دارفور من أبرز مشكلاتها وهنا يرى يعقوب أنه إذا ما استطاعت الحركة أن تطلب من واشنطن إلحاق الحركات بركب السلام فستفعل دون شك خاصة وأن استقرار الجنوب صار من أكبر اهتمامات الإدارة الأمريكية، هذا فضلاً عن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مقبلة على الانتخابات ومعروف أن مرحلة الانتخابات هناك تتطلب ما يلعب به من أوراق وقد ظلت إفريقيا وصناعة السلام فيها من بين أوراق اللعب في الانتخابات الأمريكية وفي مقدمة ذلك السلام في السودان وفي دارفور التي مثلت ولفترة طويلة مركز اهتمام الإدارة الأمريكية سياسياً واقتصادياً لمواردها وثرواتها الواعدة. أما الجانب الآخر فهو يتعلق بالحركات المسلحة نفسها حيث لم تعد بتلك القوة وفقدت الكثير مما يحقق لها أهدافها بواسطة استخدام القوة والعمل المسلح حيث ضربت الانشقاقات والانقسامات صفوفها وفقد عدد منها قياداته بجانب فقدانها للدعم الخارجي الذي كانت تقدمه لها كثير من الدول التي كانت تمدها بالإمدادات والدعم مثل ليبيا وتشاد وحتى يوغندا صارت لها مشكلات عديدة مع الجنوب كل هذه المتغيرات تشكل مؤشرات يمكنها أن تقود واشنطن للإيفاء بوعدها هذه المرة وتجعل من الحركات نفسها على استعداد لقبول السلام والجنوح له حيث تشهد دارفور عودة الكثير من قوات تلك الحركات بعد أن اتجهت غرباً وجنوباً ولم تجد الدعم والاستقرار وتواجهها الآن دعوات أهل دارفور للقضاء عليها.