المدارس في أحياء مدينة الخرطوم قرعت أجراسها منذ وقتٍ مبكر إيذاناً ببداية اليوم الدراسي.. ولكن أحلام الأطفال الذين يعملون كباعة متجولين في وسط الأسواق والمحال التجارية أو في تقاطعات الطرقات بالذهاب إلى المدرسة تبدو عصية فهم ينفقون جل ساعات النهار بالسوق ليجلبوا لأسرهم ما يسدون به رمقهم، وأبو بكر شأنه كشأن العديد منهم لا يتقن القراءة والكتابة ولكنه لا يجد صعوبة في التعبير عن واقعه الذي يجسد ظاهرة عمالة الأطفال التي تمنعها المواثيق الدولية التي تقوم على مبدأ القضاء الفعلي على عمالة الأطفال لكن الواقع يقول غير ذلك.. الأحلام العصية الصورة التي رسمها المعلم في ذاكرة أبو بكر وهو على مقاعد الدراسة في الصف الثالث بمرحلة الأساس والمعلم يثني على رسوماته ويؤكد له أنه سيصير مهندساً أو فناناً تشكيلياً ما زالت تداعب خياله غير أن الفقر هزم نبوءة المعلم فترك أبو بكر مقاعد الدراسة قبل أن يكمل الصف الثالث واتجه إلى السوق القريب ليعمل بائعاً للأكياس لمساعدة والده الذي أعجزته المعايش، يقول أبو بكر إن رغبته في أن يصير مهندساً ما زالت تراوده ولكن ظروف أسرته المادية لا تساعده في تحقيق ذلك الحلم. أما محمد وهو في «الثانية عشرة» من عمره ويمتهن التجارة فيقول: مارست العمل بالتجارة مع أبي وإخوتي منذ وقتٍ مبكر حيث كنت أمارس معهم البيع في دكان صغير بعد نهاية اليوم الدراسي بعدها عملت بائعاً متجولاً في سوق أم درمان في بيع بعض السلع ثم توسعت في أحياء العاصمة الأخرى، أما عن أسرتي فأبي متزوج من أربعة وأخي الذي يكبرني بعام أيضاً يعمل بائعاً متنقلاً بين الخرطوم وقرى الجزيرة. عالم الكبار أكثر ما يؤرق عمر هو شعوره المتراكم بأن جميع أطفال المدارس أفضل منه فهو لا يعرف القراءة والكتابة ولا يتزيا «بالحلي» التي يرتدونها ولكن عندما يلتقي مع بعض الرفاق من رصفائه في مهن مختلفة بعد انتهاء يوم العمل في المقهى بالسوق الشعبي الذي اعتادوا الذهاب إليه واعتادوا على صاحبه الذي ربطتهم به إلفة مع الأيام ويدخنون السجائر يشعرون أنهم ينتمون إلى عالم الكبار على الرغم من أن عمره لم يتجاوز «الثالثة عشر» يقول عمر: بدأت العمل كعامل «ورنيش» منذ السابعة من عمري، والدي موجود لكنه لا يستطيع الصرف عليَّ أنا وإخوتي الخمسة وهم ولدان وثلاث بنات أنا أوسطهم وأكبرنا بنت تعمل بائعة زلابية في السوق.. حقوق الطفل حسب التشريعات والقوانين الموجودة فإن حقوق الطفل القانونية توضح أن الطفل لأغراض العمل أقل من «15» سنة يعتبر طفلاً لا يجب أن يعمل أي عمل؛ لأن ذلك يتعارض مع حقه في التعليم واللعب ويمكن أن يعرضه لأمراض ومشكلات صحية وإعاقة. أسباب عمالة الأطفال يرى د. عمرو إبراهيم مصطفى (اختصاصي نفسي اجتماعي) أن أسباب عمالة الأطفال غالباً ما تكون الأسرة وضعها الاقتصادي متدنيًا، أو تكون الأسرة نازحة من مناطق الحروب أو الجفاف أو مكان به كارثة واستقرت في مكان آخر وفقدت مصدر دخلها القديم وتبحث عن مصدر دخل فنجد كل الأسرة بأطفالها يبحثون عن عمل وهنالك سبب آخر لعمالة الأطفال وهو أن يكون دخل الأسرة متدنيًا، ويشير د. عمرو إلى أن قانون الطفل لعام «2010م» منع عمالة الأطفال دون سن «14» سنة ما عدا في وظائف الرعي والزراعة التي لا تمثل خطورة على الأطفال، وعمالة الأطفال لها شقان سلبي وإيجابي فمن إيجابياتها أن الطفل يساعد في دخل الأسرة أما سلبياتها فتكمن في تأثيرها على صحة وتعليم الطفل وهما المؤشر الذي نقيس به خطورة عمالة الأطفال وإذا وجدت يتم تجريم صاحب العمل. آثار نفسية ويوضح د. عمرو أن الآثار النفسية لعمالة الأطفال تكمن في إصابة الطفل باضطراب نفسي بنسبة «90%» إذا أوكلت له مهام أكبر من قدراته نسبة لعدم اكتمال شخصيته ويترتب على ذلك إحساسه بالخوف والقلق والانفعال؛ لأنه في الأصل وظيفته التعليم واللعب، واللعب نفسه نوع من أنواع التعلم، أما في مجال العمل فهنالك عقوبة تقع عليه إذا أخطأ ويمكن أن يعرض نفسه للخطر؛ لأنه لا يدرك وعقله لم يكتمل وفي أحيان كثيرة فإن مظاهر الاضطرابات موجودة أصلاً في مراحل النمو الطبيعي فإذا أضيفت لها مسؤولية العمل فإنها تزيد فعمالة الأطفال بها خطورة على صحة وحياة الطفل؛ لأن مناعته ضعيفة ولا يستطيع العمل لساعات طويلة ويمكن استغلاله بصورة سيئة ويمكن التحرش به جنسياً أيضاً يمكن استخدامه في أعمال منافية للقانون ويمكن أن لا يستطيع المحافظة على المال الذي كسبه وإذا عقدنا مقارنة بين السلبيات والإيجابيات نجد السلبيات أكثر لذلك نحن كعلماء نفس لا نحبذ عمالة الأطفال.