نحو تكامل زراعي سوداني مصري «2 2» صديق البادي ان السودان قبل استقلاله كان فيه تياران سياسيان هما التيار الاتحادي المنادي بالوحدة مع مصر والتيار الاستقلالي الرافع لشعار السودان للسودانيين إضافة للروافد السياسية و العقائدية الصغيرة الأخرى في ذلك الوقت. و اتفق السودانيون في نهاية المطاف على استقلال السودان الذي تم الإجماع عليه في داخل البرلمان في يوم 19 ديسمبر عام «1955م» وأعلن الاستقلال بعد ذلك رسمياً ورفع علم السودان على سارية القصر في غرة يناير عام «1956م». و المعروف أن صلاح سالم عضو مجلس الثورة المصري والمسؤول عن ملف السودان قد أنفق أموالاً طائلة في انتخابات البرلمان الأول ورقص في الجنوب وحشر أنفه في الشؤون السودانية الداخلية وأصيب بخيبة أمل عند الاتفاق على استقلال السودان دون حاجة لإجراء استفتاء شعبي عام وكان استقلالاً نظيفاً كصحن الصيني لا فيه شق ولا طق كما ذكر الرئيس إسماعيل الأزهري. وإن ثورة يوليو عام 1952 م قد مضى على قيامها ستين عاماً وتعاقب على الحكم فيها أربعة رؤساء من لدن محمد نجيب وحتى مبارك وشهدت العلاقات السودانية المصرية في تلك السنوات الستين صعوداً وهبوطاً وكانت تصفو أحيانا وتعكر أحيانا والخطأ المصري الفادح كان في تعامل حكومات ثورة يوليو المتعاقبة مع الملفات السودانية في أهم القضايا من خلال المخابرات المصرية أي أن التعامل كان يغلب عليه الطابع الأمني الاستخباراتي ولذلك كتب الأستاذ صلاح أحمد إبراهيم في صحيفة السياسة الغراء في التعددية الحزبية الثالثة وتحديدا في أواخر عام 1988م رسالة مفتوحة للسيد رئيس الوزراء ذكر له أن السفير المصري قد تبجح وأعلن وسط عدد من الشهود الحاضرين انه يمكن أن يساهم في إسقاط الحكومة أو بقائها وانه يمكن ان يتدخل في اختيار عدد من الوزراء أو تغييرهم وطالب الأستاذ صلاح رئيس الوزراء باستدعاء هذا السفير ليؤكد هذا الحديث أو ينفيه لأن في هذا تدخلاً سافرًا في شؤون الوطن الداخلية والسودان لا يمكن أن يحكم بتأثير وتدخل من السفارات ولكن الموضوع مر كمر السحاب دون ان يجد أذانًا صاغية. ومن العبارات التي كان يرددها رئيس مصر السابق السجين حسني مبارك «إننا من اجل أمن مصر لن نفرط في مصر من جهة الجنوب» وكان في كثير من الأحيان يتحدث بغطرسة واستعلاء وازدراء كأن السودان محافظة من محافظات مصر. وإن الأمن المائي ومياه النيل من صميم اهتماماتهم وهذا شيء طبيعي ولكن أركان نظامه السابق كانوا عندما يتحدثون عن مفاوضات دول حوض النيل يعتبرون أنفسهم هم الرأس وأن المفاوضين السودانيين يمثلون الذيل بالنسبة لهم بطريقة التابع والمتبوع وبالطبع إن التفاهم والتعاون بين المتفاوضين من الدولتين لا غبار عليه ولكن أي دولة تسعى للعض بالنواجذ على مصالحها ولا تفرط في حصتها من المياه وحقوقها ولكنها في المحافل الإقليمية لا يمكن ان تكون تابعًا وذيلاً لطرف آخر. وأن العلاقات السودانية المصرية في الستين عامًا الماضية تحتاج لدراسات جادة عميقة يعكف عليها المؤرخون والباحثون والأكاديميون في جميع المجالات وشتى التخصصات لأخذ الدروس واستخلاص العبر لتبني العلاقات الآنية والمستقبلية على أسس راسخة وأرضية صلبة. لقد انفجرت ثورة الربيع في مصر وأطاحت نظام مبارك واستشهد الثوار هناك في خطبهم وتصريحاتهم وإفاداتهم الإعلامية بانتفاضات وثورات شعبية حدثت في بعض أنحاء العالم في أزمان مختلفة ولكنهم لم يستشهدوا مرة واحدة بما حدث في السودان إبان الثورة الشعبية في أكتوبر عام 1964 م ولا في انتفاضة رجب ابريل في عام 1985م وكأن التجارب السودانية في نظرهم لا يعتد بها. والآن يتم الاستشهاد بتجربة الحكم الماثلة في تركيا بقيادة اوردغان مع الإشارة لنماذج قائمة أو تحت التخلق مع إغفال تجارب أخرى وعدم الإشارة إليها ولو إشارة عابرة وبالطبع ان أي نظام له مطلق الحرية في أن يتصرف كما يشاء ويتعامل مع الآخرين كما يريد وهذا حق أصيل ليس من شأن احد التدخل فيه ولعل النظام المصري الجديد مشغول في الوقت الراهن بتوفيق أوضاعه الداخلية مراعيًا التوازنات المختلفة في الساحة المصرية مع رسم سياسته وعلاقاته الخارجية وفقًا لما يخدم إستراتجيته ومصالحه وتبعاً لذلك تكون علاقاته الثنائية مع هذه الدولة أو تلك ولعل هذا يحتاج لزمن تتضح فيه الرؤية حيال كافة القضايا. والمهم ان العلاقات السودانية المصرية لا تشهد الآن توترات أو احتقانات مكبوتة او توجسات كما كان يحدث في الماضي القريب. و قد أثبتت الأيام والتصريحات اللاحقة ان الابتسامات التي كانت تنقلها الوسائط الاعلامية عندما تتم لقاءات رسمية على مستويات عالية ينطبق عليها قول المتنبي «إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن ان الليث يبتسم» وأكدت الأيام أن العلاقات بين النظامين الحاكمين كان يسودها التوجس واهتزاز الثقة وفي تلك الأيام كان الحديث عن الزراعة والتكامل في هذا المجال لا يعدو أن يكون مجرد فرقعات إعلامية لم يعقبها تنفيذ وعمل جاد. ومن مصلحة الدولتين الآن أن يتكاملا اقتصادياً ويكون الأمن الاقتصادي هو الهم المشترك بينهما مع تجنب الأخطاء السابقة إذ أن هذا لا يمكن أن يتم بالفرقعات الاعلامية والأحاديث العاطفية التي لا تصمد كثيراً ولكن ينبغي أن يتم ذلك وفقاً لدراسات عميقة ومفاوضات جادة على أسس واضحة تراعى مصلحة الجارين الشقيقين بحيث تكون الكفتان متوازنتين ويعقب ذلك التنفيذ وجني كل دولة للمصالح والثمار المرجوة من هذا التعاون ويمكن أن يشمل هذا التعاون والتكامل الزراعي بعض الدول العربية التغطية الغنية الممولة.. والله من وراء القصد.