الحكمة و«التقلة» اللتان تبدوان على محيّا الحكومة هذه المرة بشأن التحاور في قضايا ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان تبدوان سمة جديدة في تعامل وتعاطي الحكومة مع القضايا المهمة والشائكة، رغم أن المجتمع الدولي يكاد يكون أرغم الحكومة على بدء التحاور مع قطاع الشمال من خلال القرار 2046 وقد استجابت الحكومة ولكن برؤية خاصة بها ولم تتهافت لطاولات التفاوض مثل كل مرة تسارع فيها للقاء خصومها بالأحضان، وكانت قد سارعت إليهم ورجلاها مليئتان بالدماء التي خلّفتها الفرقتان التاسعة والعاشرة التابعتان للجيش الشعبي الجنوبي. التوجية الرئاسي الذي كشف عنه وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين لدى لقائه أمس الأول للفعاليات السياسية والبرلمانية لولايات جنوب كردفان وجنوب دارفور والنيل الأزرق بعدم التوقيع على أي اتفاق دون سند شعبي تحمل حزمة من الدلالات أولها أن الحكومة حفظت درس التأني في تعاملها مع أعدائها ثانيًا أرادت أن تخرج من عباءة الثنائية التي ظلت ترتديها عند كل اتفاق تبرمه بعد الإعلان عن مشاورة مواطني المنطقتين في شؤون ولاياتهما بجانب قضايا الحدود بجنوب دارفور ودولة الجنوب.. ثالثاً التعنيف المستمر من جانب وفد التفاوض لقطاع الشمال وانتقاده للأخير كان بمثابة رسالة من الحكومة إلى القطاع ومن خلفه دولة الجنوب بأنها لن تلدغ من الجحر مرتين.. رابعًا إعلان الحكومة بعدم الاستعجال على التوقيع يجعل قطاع الشمال يفكر بصورة فيها كثير من العقلانية بعد التهور والتخبط الذي بدا عليها كما قال لي القيادي بالنيل الأزرق الوزير أحمد كرمنو في لقاء سابق بعد تقديم قطاع الشمال لورقة تحوي قضايا لا علاقة لها بالمنطقتين مثل مشروع الجزيرة ومناطق السدود والمناصير ودارفور .. خامساً نجحت الحكومة في مناورتها بشأن التحاور بعد أن ظلت تيارات في الحكومة رافضة للحوار مع قطاع الشمال مثل رؤية حكومة النيل الأزرق ممثلة في واليها اللواء الهادي بشرى الذي أكد أن كل ما جرى في أديس أبابا أو ما سوف يتم بعد عيد الفطر المبارك لن يسقاط التهم الجنائية الموجهة الى مالك عقار وملاحقته قضائيًا.. سادسًا مضي الحكومة في تدعيم وفدها إلى أديس أبابا بعناصر فاعلة من أبناء المنطقتين يعطي الحكومة دفعة ويثبط همم خصومها إن لم يربك حساباتهم.. سابعًا موافقة الحكومة على التعرف على ما يريد قطاع الشمال أو كما وصف رئيس وفد التفاوض كمال عبيد الجولة الأولى بأنها استكشافية تدل على حسن نوايا الحكومة ومدى تعاونها مع الأممالمتحدة دون أن ينتقص ذلك من هيبتها أو يخصم من سيادة أراضيها.. ثامناً إعلان الحكومة الرجوع لأهل المصلحة بجنوب كردفان والنيل الأزرق طمأن المواطنين هناك بأن الحكومة لن تهضم حقوقهم وهو إعلان لأول مرة يتم من جانب الحكومة.. تاسعاً أن الحكومة أرخت أذنها إلى فئة مهمة جدًا ومؤثرة وهم أئمة المساجد لجهة التأثير الكبير للمسجد في المجتمع السوداني رغم انتقادات بعض الكتابات الصحفية لدور العلماء والدعاة لتدخلهم في الشأن السياسي غير متناسين أن الاتفاق الشهير الذي أبرمه مساعد رئيس الجمهورية في سبتمبر العام قبل الماضي مع مالك عقار بأديس أبابا تم إلغاؤه من منبر مسجد النور بضاحية كافوري بالخرطوم بحري بواسطة الرئيس عمر البشير شخصيًا ما يدل على أن الحكومة لا تغفل رأي المساجد الذي أصبح جهيراً وقد صدع عددٌ من الأئمة منهم الشيخ د. عبد الحي يوسف رافضين التفاوض مع قطاع الشمال. ومهما يكن من أمر فإن أي خطوة تجاه قطاع الشمال المغضوب عليه في الشارع السوداني تستدعي أن تكون الفورة مليون بدلاً من ألف.