ومن مزايا التكامل، فتحت الجامعات المصرية لكل أبناء السودان بالمجان. حيث وصل عدد الطلاب الدارسين بمصر أكثر من ثلاثين ألف طالب إلى جانب التوسيع واضافة كليات بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، ولكن كل الفوائد التى جنتها الدولتان لم يشفع لهما. بعد انتهاء حكم مايو جاءت الأحزاب وكان هدفها تدمير كل ما تم من اتفاقيات وفقدت الحياة بريقها بين البلدين وسعت الأحزاب لوقف مسيرة التكامل وخرجت المظاهرات تندد بمصر وحرق العلم المصري، وطالبت الحكومة المصرية تسليم نميري علما بأنهم جميعا ادوا القسم أمام نميري وعملوا معه شركاء فى حكومته طيلة فترة التكامل وكل الذى تم بعلمهم وبمباركتهم لنظام نميري، ثم دارت عقارب الساعة وتطاح حكومة الأحزاب بانقلاب بقيادة البشير، وللأسف الشديد هاجرت كل قيادات الاحزاب واتخذت مصر مقراً لها واصبحوا بجوار نميري الذى طالبوا مصر بتسليمه. ومصر بطبيعتها بلد الضيافة والكرم لم تحرم شخصا دخول أراضيها بل استقبلتهم بكل حب واقتدار حرصا منها على حرمة الجوار وما تكنه للسودانيين رغم اختلاف وجهة نظرهم. ثم جاءت الانقاذ وكان أول من ايدها الرئيس حسني مبارك ثم أعقبه بعد ذلك الملوك والرؤساء وبعثت مصر وفدا على مستوى للتهنئة وكان سفيرها الشربيني بالخرطوم أول من طلب مساندة الثورة الوقوف معها ولم تمض فترة من الزمن حتى ظهرت الانقاذ على حقيقتها بتسترها خلف الجبهة الإسلامية، ثم دبت الخلافات كما يعرفها الجميع وانقطعت العلاقات بين البلدين، واصبحت العلاقات أمنية فقط، وسحبت الحكومة كل الطلاب بالجامعات المصرية، وصادرت كل المؤسسات وممتلكات مصر، جامعة القاهرة فرع الخرطوم بدعوى احتلال حلايب ثم اتهام مصر السودان بإيواء الارهابيين ومحاولة اغتيال الرئيس مبارك ووجود كارلوس الإرهابي بالسودان ومعظم الفارين من العدالة من دولهم، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد. وعانت مصر الكثير من تهديد أمنها وطيلة فترة حكم الانقاذ لم تكن العلاقات بين مصر والسودان كما كانت سابقا، ثم دبت الخلافات ثانياً حول اتفاقية السلام، ومصر لها الحق فى موقفها، لأنها كانت صاحبة مبادرة مع ليبيا لحل مشكلة الجنوب. وبكل أسف كانت هنالك مؤامرة بإبعاد المبادرة المصرية حتى لا يكون لمصر أي دور فى عملية السلام وقبول اتفاقية الإيقاد من قبل الدول الأفريقية وتهميش دور مصر وليبيا. ومصر من حقها أن ترفض أن تكون مراقبا بعد إبعادها من عملية السلام. وظلت تنادي بوحدة السودان لأن الذى يحدث فى ميشاكوس هو انفصال تدريجي للجنوب، وهو أمر اصبح يعرفة الصغير قبل الكبير. ومصر لها مصالح فى مياه النيل وهى الحرب المقبلة بين دول العالم، فلا تسمح بفصل الجنوب حتى توقع اتفاقية ثانية لمياه النيل، وفى هذا الخصوص نظم الشاعر مصطفى سالم سعد المك نمر قصيدة عندما كان طالبا بالازهر عام 1945م عند زيارة أول وفد سوداني لوادي النيل قصيدة مشهورة. ما أطيب العيش فى الدنيا تآخينا وأكرم الموت فى الدنيا تجافينا شعبان قد زعموا والدين وحَّدنا والنيل يسقيكم والنيل يسقينا هى السياسة قد كادت تفرقنا عن عزة لو تلاقينا دسوا مقاصدهم فى كل مرتفع وكل منخفض فى أرض وادينا لكنهم فشلوا فى كل ما عزموا وطاش سهمهم وارتد مغبونا شنت الإنقاذ حملة إعلامية ضد مصر لموقفها من عملية السلام، واتهام مصر بأنها لم تساند السودان طيلة حرب الجنوب، ولم تطلق طلقة واحدة، ولم تقدم شيئا. والقضية ليست قضية لوم وعتاب، بل اصبحت قضية تقرير المصير بالنسبة لمصر والسودان، والخطأ ليس خطأ مصر فى أن تطلق طلقة واحدة بل نحن المخطئون الذين لم نطلب من مصر إمدادنا بجيش أو الوقوف معنا لأن الذى يحدث أمر داخلى، ومصر لا تتدخل فى الشؤون الداخلية فى السودان. ومصر خاضت حروبا أضعاف كل حروب البلاد العربية من أجل العرب والمسلمين. وفى كل بيت مصري شهيدان أو أكثر وعانت أصعب الأزمات الاقتصادية، ورغم ذلك لم تبخل بمساعدة السودان فى أحلك الظروف، وفتحت(17) مدرسة من الإعدادي وحتى الثانوي وجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وعلمت كثيراً من أبناء الشعب السوداني بالمجان إلى جانب ثلاثين ألف طالب يدرسون بالجامعات المصرية وساندت السودان رغم سوء العلاقات بينهما. ووقفت ضد حظر الخطوط الجوية السودانية. الآن الكرة في ملعب البلدين. فكلاهما يمثلان منظمة استراتيجية باسم الإخوان المسلمين. الآن هما على قمة السلطة في البلدين ويعرفان بعضهما البعض. وكلاهما يدعيان تطبيق شرع الله، علماً بأن شرع الله يدعو إلى المحبة والتكامل والتعاون. فهل تعيد الدولتان التكامل كما كان سابقاً لإنهاء كل الأزمات بين البلدين، وفتح آفاق جديدة في ظل حكم الشرع؟ قال الشاعر مصطفى سالم فتداركي السودان يامصر وفرض ذاك عندي أننى المعين من سؤال له فهبي واستعدي إن المصير مصير فى النجاة وفى التردي من عهد آدم والمسيح إلى نهاية كل عهدي النيل والأرحام تربط بين أسيوط وشندى