بعد فترة وجيزة مما أصبح يعرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أدت إلى انهيار برجي مركز التجارة العالمية في مدينة نيويوركالأمريكية، تحولت الأرض التي كانت تعانق سماؤها البنايتين العملاقتين إلى ما يشبه المزار المقدس، حيث أُقيمت العديد من الأحواض ذات المياه السوداء، ربما للتذكير ببشاعة ما حدث، وأيضاً العديد من أشجار البلوط واللوحات البرونزية الكبيرة التي حملت أسماء الذين قضوا في الأحداث الدامية يومها، إضافة إلى العديد من الأشياء الأخرى، حيث أصبحت أرض البرجين وكما يريدها أقارب وأهل المصابين والمتوفين «أرضاً مقدسة»، يرفضون أن تطولها يد التغيير ويرغبون في أن تظل كما هي عليه شاهداً على أحداث ذلك اليوم وبأكثر من ذلك «شاهداً» على رفات أقاربهم الذين لم يعثر عليهم من بين الحطام، فأصبح المكان رمزاً لهم. لقد بدأت فكرة إنشاء الأبراج في العقد السادس من القرن الماضي، حيث قام بالتصاميم الهندسية مهندس ياباني، وتم افتتاحها رسمياً في العام الثالث من السبعينيات من نفس القرن، حيث أنشئت على مساحة تزيد عن المليون متر مربع بقليل، وهي ليست برجين فقط ولكنها سبعة أبراج تتفاوت ارتفاعاتها، ويعتبر البرجين «التوأمين » أكثرها ارتفاعاً. وفيما يحيي الامريكيون ذكرى هذه الأحداث بالكثير من الشجن والألم، وفيما تمتد تداعيات الأحداث لتضيف المزيد من العنت على الجاليات الشرق أوسطية خاصة المسلمة منها التي تقيم بأمريكا، فإن الرواية الرسمية الأمريكية للأحداث مازالت لا تقول الكثير عما حدث ذلك النهار، وتمارس تعتيماً متعمداً للحقائق بل وتشويهها على الأرجح. فبحسب ما بدأت بعض الجهات والشخصيات النافذة في الإدارة الأمريكية تعلنه بين آونة وأخرى خروجاً على الإجماع الرسمي وكسراً لحاجز الزيف الذي يغلف الإعلان الرئاسي والاستخباراتي، فإن ما حدث قد أصبح يحتمل أكثر من وجه للتأويل. كتاب «الخديعة الكبري» للكاتب الفرنسي «تيري ميسان» هو أحد أهم المعاول التي بدأت في تكسير صنم الرواية الرسمية التي يتبناها مرشحو الرئاسة الأمريكية الذين مازالوا يعزفون بها على وتر الخوف والألم لدى المواطن الامريكي المغيب عما يجري في العالم الحقيقي بآلة إعلامية تنتهج الترويج الزائف وتسمي الأشياء بغير ما مسماها، وهو يدعو، كما يقول، «فقط» إلى «التشكيك» وعدم القبول بكل ما تضخه الآلة الإعلامية «الصهيونية» التي تسيطر على الفضاء الامريكي، ومن ثم تسيطر على الرأي العام العالمي، حيث مازالت الاستخبارات الأقوى على مستوى العالم، وبعد أحد عشر عاماً على الكارثة، مازالت بعد كل هذه السنوات تعجز عن تقديم دليل واحد يدعم صحة هذه الرواية، وتكتفي باستخدامها مادةً للاستهلاك السياسي وتنفيذ مخططات تخدم النزعة الاستعمارية والتوسعية لراعي البقر الأمريكي على حساب شعوب العالم. ويؤكد «ميسان» أن الهجمات ما هي إلا مؤامرة دبرتها أيد أمريكية وصهيونية من أجل تنفيذ المخططات القديمة للصهيونية العالمية بالسيطرة على مقدرات شعوب العالم خاصة منابع البترول العربي في الخليج، وأيضاً في ذات السياق اتخاذ أزمة منطقة دارفور في السودان طريقاً للوصول إلى مخزون البترول الهائل في وسط القارة الإفريقية البكر، متخذة من «برنامج» الحرب على الإرهاب الذي تبنته الإدارة الأمريكية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، ستاراً لتنفيذ هذه المخططات، حيث أصبح هو الكلمة السحرية التي فتحت باب كل الحروب الوقائية وشريعة الغاب التي انتهجتها الإدارة وأسالت بها أنهار الدماء والدموع على نطاق العالم، بدءاً من أفغانستان التي دخلتها بعد شهر واحد من الهجمات المزعومة، وارتكبت فيها أفظع الجرائم الإنسانية مخلفة وراءها أرتالاً من الشهداء مدنيين وعسكريين، إضافة إلى إهلاك كل مظاهر للحياة في القرى والأرياف التي خلفتها الأسلحة والذخائر، وكان حلف الناتو والجيش الأمريكي الأسرع في التحقيق حول الأحداث التي ظل العالم الحر يطالب بإجراء تحقيق حولها لمعرفة مرتكبيها. وطالت الحملة المجنونة العراق الذي مازال يتخبط مذبوحاً في دمائه دونما بارقة أمل في عودة الروح اليه، هذا ولا يمكن تجاهل الآلاف الذين اعتقلوا عبر العالم ككل في إطار هذه الحملة الدامية، وزج بهم في أبشع السجون، وارتكبت بحقهم خروقات إنسانية خطيرة. ومازال الأمر مستمراً والسجون مفتوحة دونما محاكمات، والقائمة تطول وتطول.. وسواء صحت مزاعم الكاتب الفرنسي التي يدعمها بالكثير من الإثباتات والادلة، سواء صحت أو لم تصح فإن التساؤل عن حقيقة ما جرى يظل مشروعاً، والمطالبة به تظل حقاً للمتهمين والضحايا على حد سواء، خاصة أن تداعيات ما حدث قد ألقت ظلالها على كل شيء على مستوى العالم، واستطاعت أن تغير كل الخريطة السياسية والجغرافية للعالم!! ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر تأتي هذا العام والسباق الرئاسي الأمريكي على أشده، حيث الموعد هو السادس من نوفمبر المقبل، وفيما يعول المرشح الجمهوري على تراجع شعبية «أوباما» الذي يترشح عن الديمقراطيين لولاية ثانية، وأيضاً على انتهاج سياسة أكثر صرامة مع روسيا في حال فوزه، وكذلك مداعبة الصهيونية العالمية بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، فإن «أوباما» لا يكف عن العزف على إنجازات ولايته على الصعيد الأمني، وعلى رأسها عملية «أبوت أباد» في باكستان في الثاني من مايو العام الماضي، وأيضاً انتهاء العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق في عهده. ويبدو جلياً زهوه بالحادي عشر من سبتمبر في خطابه الذي ألقاه يوم الأحد الماضي، حيث يعتبره أحد أكبر إخفاقات الجمهوريين، ودليلاً على سوء تقديرهم لمفهوم الأمن القومي الأمريكي، وقد أعلن يوم الثلاثاء الذي يوافق الذكرى يوماً وطنياً «باتريوت داي». إن ذكرى هذه الأحداث تأتي دائماً محملةً بكثير من مشاعر الحزن والغضب تجاه كل ما هو شرق أوسطي من قبل المواطن الأمريكي والغربي على وجه العموم، والذي ينبغي و «يستحق» أن يرى الأمور على حقيقتها. كما أن الصورة النمطية التي ارتسمت في المخيلة الغربية عن الإسلام والمسلمين نتيجة لهذه الأحداث بحاجة للتصحيح وفق المنهجية الإسلامية، وقد أصبح الحادث تعريفاً صادماً بكل ما هو عربي وأوسطي. وعلى الصعيد الآخر فإن الذكرى تثير الشجون تجاه الكثير من الأحداث المأساوية التي جرت في العالم العربي والإسلامي في فلسطين والصومال وأفغانستان والعراق، ومن قبلها ومن بعدها الكثير مما هو معلن وما هو مسكوت عنه لكنه معلوم بالضرورة، والتي لا تقل عما حدث في نيويورك، بل هي أسوأ بكثير وأكثر دموية، وتتحمل وزرها الدول الكبرى التي لا تفتأ تعيش بالعقلية الاستعمارية التي لازمتها طيلة القرن الماضي. وهي أحداث ينبغي أن يظل العالم يتذكرها عاماً وراء عام دليلاً على بشاعة النظام العالمي المستبد، وشاهداً على سقوط ورقة التوت التي تغطي عوراته، وتكريماً للشهداء والأرامل واليتامى الذين يمتد وجعهم بامتداد مساحة النسيان العالمي لهم.