«أنا ما جاي السوان تاني، عندكم سخانة وحاجات ما حلوة».. هكذا ابتدرني ابن اختي عندما هاتفتها مستفسرة عن أحوالهم وكان أن باغتني بإجابته السابقة بعد أن سألته: حترجع السودان متين؟.. كثيرة هي الأسباب التي تجعل أبناء المغتربين في حالة من الرفض الواضح والصريح وبشدة برفضهم العودة لاختلاف البيئة وعدم صلاحيتها لهم.. من هنا تقاذفتني الأسئلة بشدة عن مدى تعمّق هكذا أفكار «القشرية» إن صحّ التعبير بأذهان هؤلاء الصغار، وهل اسرهم هي التي تغرس فيهم هذه الاشياء ام ان المناخ السوداني فعلاً هو من الاسباب الطاردة حتى لمن لم يستظلوا بشمسها ويشربوا من نيلها فتجعلهم يرفضون السودان.. هذه الاستفهامات تطرق وبقوة على باب الواقع الاجتماعي السوداني والترابط الاسري بين المغتربين وأهليهم وسعيهم لتقوية الاواصر وترسيخ المفاهيم الجميلة بمعاني الاسرة الكبيرة وتقبّل الاخر تحت أي ظرف كان ومناخ.. اذن لا بد من وضع رؤى واضحة لهذا النشء حتى لا تصبح المعطيات الواقعية أكثر مهدداً يواجه تربية الأبناء في المهجر، ودون شك أن هذه الإحداثيات تترابط بشكل او آخر بمفاهيم مشتركة ما بين الأسرة في المهجر ووعيها وسعيها لتجذير هذه الأشياء بعقول أبنائها ونفوسهم.. من هنا قد تصبح الحياة أشدّ قسوة على كل الأطراف، المغترب وأسرته الصغيرة والأسرة الممتدة في السودان، وتنطلق التكهنات التي قد تصيب احياناً وتخطئ كثيراً ولكن يبقى الأمل دوماً بحلاوة العودة والإياب.