مرتكز أساسي من مرتكزات العمل الاعلامي الصادق هو الإخلاق، فإن سلبت هذه الصفة من الإعلام يصبح إعلاماً مشوهاً.. وبالتالي يمكن أن تثار حوله العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات المشروعة من حيث المصالح التي يخدمها ذلك الإعلام والجهة التي تديره، والتي بدورها لا ترتكز على مرجعية يمكن الوثوق بها.. والإعلامي المسلم مطلوب منه خدمة دينه وقضيته الكبرى في إطار عمله، فلا يستقيم أن إعلامياً مسلماً يهاجم الإسلام أو رموز الإسلام ويقول إنه مسلم!! إذن لمصلحة من تهاجم الإسلام؟؟ فأنا لا اعترف بنظرية الحياد الإعلامي لأني بوصفي مسلماً مطلوب مني دوماً الانتماء إلى هويتي وخدمة ديني.. والإعلامي «المسلم» لديه قضية يخدمها، وهذه القضية مرتبطة به وجدانياً.. فوجدان الإعلامي هو المعين الرئيس للإعلامي الصادق، في إخراج عمله إلى الوجود بصورة تجعله راضياً عن ذلك العمل أخلاقياً.. وإلا لكان ذلك العمل من أجل غرض آخر، وتسقط عنه في هذه الحالة صفة الأخلاق.. والإعلامي المسلم مطلوب منه أن يبين للناس الباطل أينما وجد وينهاهم عنه ويدلهم على الحق أينما كان، ويأمرهم به.. ومطلوب منه وهو يؤدي رسالته الإعلامية تلك أن ينضبط بالضابط الشرعي، فلا يعتمد الأساليب الإعلامية التي تقوم على الكذب والتضليل والخداع والتمويه والتشهير، وعليه التحري والتدقيق في الأمور كلها، وألا يأخذ بالشبهات في كل «الأمور»، وعليه أن يكون كيِّساً فطناً يتعامل مع الأحداث وفق ما تتطلبه الحالة. وأن يعتمد على الحقائق والوقائع الملموسة قدر الإمكان للوصول للحق. وأن يبتعد عن الأساليب الفاسدة التي تعتمد في مجملها على الكذب والخداع العقلي للمتلقي، ومن بعض تلك الأساليب الفاسدة.. أسلوب التهويل الإعلامي والترهيب والتخويف من شخص يحمل طرحاً وأفكاراًً صادقة مبنية على معطيات واضحة وضوح الشمس يعرفها الفرد العادي دون جهد.. وهذا الأسلوب قديم جداً، وقد اتبع مع سيد الخلق جميعاً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. وهنا نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شنت عليه أول حرب إعلامية من قبل الإعلام «الشيطاني» الفاسد، إذ كان أبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتربص له كل ما جلس عند وفد أو جماعة يحدثهم بأنه نبي مرسل، فإذا قام من عندهم أتاهم أبو لهب وقال لهم لا تصدقوه فإنه كذاب، وكذلك الوليد بن المغيرة قام هو ومشركو مكة بتشويه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم «ايام الموسم».. ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد على طرق مكة يقولون لمن أتى مكة حاجاً..لا تغتروا بالخارج منا المدعي النبوة، وقد اختلفوا في الحديث عن القرآن فيما بينهم، فمنهم من قال إنه سحر، وقائل إنه أساطير الأولين، فقام الوليد بجمع قريش وقال لهم: اجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً.. فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل واقم لنا رأياً نقول به، قال: بل أنتم قولوا اسمع فقالوا: كاهن فقال: ما هو بكاهن، ولقد رأيت الكهان فما هو بزمزرة كاهن وسمعه، فقالوا: مجنون فقال.. ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو تخمه ولا تخالجه ولا وسوسته، فقالوا: شاعر، فقال: ما هو شاعر قد عرفنا الشعر برجزه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر قالوا: فنقول ساحراً قال لهم: إن اقرب القول فيه أن تقولوا هو ساحر، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المر وأخيه،، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته، فتفرقواعنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروا لهم أمره.. وهكذا أدارت قريش حربها الخاسرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم «بأقذر» وسائلها وهي تعتمد على الكذب.. وتوحيد الخطاب الإعلامي لخدمة قضية معينة، ونلاحظ ذلك عندما قال لهم الوليد: «اجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً» ولأن قضيتهم تقوم على الكذب جعل الوليد الخطاب ينفي التهمة عنهم والصاق صفة الساحر بالصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.. ومازال هذا الأسلوب متبعاً حتى اليوم عند بعض الكتاب، فإن من أساليب أهل الباطل في كل زمان تشويه سمعة أهل الحق والتشكيك في مقدراتهم وتضليل الناس وتخويفهم وترهيبهم من اتباعهم، والتقليل من شأنهم والحط من قدرهم، ووسيلتهم في ذلك «الغاية تبرر الوسيلة» و«الضرب تحت الحزام»، وللأسف أن بعض الكتاب أصبحوا يعتمدون على بعض مبادئ الإعلام الغربي وسياساته حين يتم استهداف شخص أو مجموعة، فإنهم «يهونون» من أمره، يلصقون به تهمة معينة ويغذونها كل يوم حتى ترسخ في ذهن المجتمع، ويقومون خلال ذلك بتمييع المصطلحات والأسماء حتى يصعب فهمها «كالإرهاب»، ومثال على ذلك ما يتعرض له منبر السلام العادل من حملة تشويه، فحين عجز أعداؤه عن محاربة طرحه القوي ومقارعته بالحجة، قاموا بوصفه ب «العنصرية» وأصبحوا كل يوما يغذون تلك الصفة حتى أصبح بعض العوام من الناس «والحمد لله أنهم قلة» يقولون بقولهم دون أن يمتلكوا أدلة على قولهم ذلك.. وهذه نظرية إعلامية معروفة، وهي تعتمد على التكرار للجمل أو تحوير المعاني وتغيير التسميات في عملية اختراق وعي وشعور الشعوب واستهداف عقلها وجعلها سهلة الانقياد.. ومثال على ذلك ما حدث من خلال الحرب الإعلامية التي قام بها جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» ضد الفلسطينيين ابتداءً من تحويل كلمة شهداء إلى قتلى، وعمليات استشهادية إلى عمليات انتحارية، وكثير من الجمل والعبارات التي تم تغيير مدلولاتها ومعانيها إلى معنى آخر، وليس هنالك دليل أعمق من تركيبة جملة «إرهاب» وإلصاقها بالمسلمين. وكلما ذكر المسلم عند معظم أجهزة الإعلام الغربية الا وجاءت كلمة «إرهاب» مرادفة له.