يقول الدستوريون بأن طبيعة الدساتير تقتضي أن تكون تصميماتها إما عبر حكومات ديمقراطية أو أنظمة استبدادية في شكل منحة أو أوامر استعمارية.. إلخ. وذهب آخرون إلى ضرورة استفتاء الشعب الذي هو مصدر السلطات لمعرفة مدى القبول أو الرفض، بحيث لا يعرض على الشعب جملة لقبوله بكلمة نعم أو رفضه بكلمة لا، ولكن بطرح المبادئ العامة في عملية الاستفتاء لمعرفة الرأي الراجح والآخر الذي لا يحظى بالقبول. وفي ندوة نظّمها المركز السوداني للخدمات الصحفية «SMC» ضمت معظم رموز أطياف العمل السياسي، حيث جلس على المنصة كل من: البروف ياسين عمر يوسف الخبير الدستوري، وبروف محمد نوري الأمين أستاذ العلوم الساسية، وأيضاً تحدث نيابة عن الأحزاب كل من: أ. بدرية سليمان عن المؤتمر الوطني، أ. كمال عمر عبد السلام عن المؤتمر الشعبي، أ. تاج السر محمد صالح عن الاتحادي الديمقراطي الأصل، أ. السماني الوسيلة عن الاتحادي الديمقراطي المسجل. وشارك كذلك أ. هاشم أبو بكر الجعلي الخبير القانوني. وكان الحديث عن الدستور وما أدراك ما الدستور الذي هو بين الديمومة والثبات وبعبع المتغيرات، وكانت ندوة محضورة أمها لفيف من عضوية الأحزاب ونخب إعلامية من مختلف الوسائط المقروءة والمسموعة والمشاهدة.والأهم في الموضوع أن جميع المتحدثين قد أجمعوا على ضرورة المساهمة في العمل الوطني، غير أن بعضهم وخاصة محمد نوري الأمين وكمال عمر من المؤتمر الشعبي قد اصطدما في هجوم متبادل، علماً بأن الأول «محمد نوري» قد شن هجوماً على كل المتحدثين كما لو أنه يملك فصل الخطاب وألا معقّب على ما يراه، وكانت قصته غريبة بأن يطالب بالديمقراطية وكفالة حرية الرأي وهو لا ينبس بكلمة واحدة في اتجاههما بقدر ما كانت تفيض عباراته سادية واستعلاءً، وكاد يقول لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولا أدري أية جهة هذه التي يمثلها، حيث زعم أنه يمثل جهة ولا يحق للمنظمين لهذه الندوة أن يأتوا بمتحدث بصفته الشخصية، مشيراً إلى رفضه مشاركة الأخ أ. هاشم الجعلي، وقد ضرب بذلك مثلاً حياً وأنموذجاً لمن يدعي الديمقراطية وهو في حقيقته معلم في تكميم الأفواه من منصات أعدت خصيصاً لتعميق مفاهيم الحرية وتبادل الآراء. أما الأخ الأستاذ كمال عمر فقد جدد رفض حزبه المشاركة في الحوار لوضع الدستور، بحجة أن الحكومة القائمة هي حكومة للأقليات ناسخاً بزعمه جماهير أحزاب الأمة المشاركة وكل جماهير الاتحادي الديمقراطي بفروعه المختلفة، الذين هم أعضاء فاعلون بالحكومة. وكذلك ضرب بجماهير الصوفية والإخوان المسلمين وأنصار السنة وحركات دارفور الموقعة على وثيقة الدوحة عرض الحائط. واعتبر كل هؤلاء إضافة إلى الوطني أقليات، الأمر الذي أثار استغراباً ودهشة ارتسمت علاماتها على جباه الحاضرين. وقد ظهر جلياً أن الأستاذ كمال عمر لا يضع وزناً لجماهير الأحزاب، ويصر على أن ينتقل بالجميع إلى نقطة الصفر لتشكيل حكومة انتقالية، وهذا لسبب واحد، وهو أن حزبه الذي يمالي فاروق أبو عيسي وبعض الشتات الآخرين هم الذين يمثلون الشرعية مما جعله يدعو للانتقال. والأمر في حقيقته ليس انتقالاً لكنها مطالبة بالرجوع إلى الخلف من أجل أن يركب عربة الوطن من تلكأ أكثر من مرة. وهو لا يعلم أن القطار قد تحرك ولا سبيل لمن فاته إلا الرضوخ للواقع بدلاً من المماحكة والمزايدة. وهي أساليب لا تفيد فتيلاً، خاصة أولئك الذين يحلمون بعودة الماضي، لأن الله هو الذي يحيي الموتى وهو الذي يبعث من شبعوا موتاً في القبور.