بالرغم من أن شبيحة الحركة الإسلامية في الولاية استطاعوا بمهارة لا يُحسدون عليها حجب كثيرٍ من أهل السبق من أهل الحركة الإسلامية عن حضور المؤتمر المسمّى الثامن إلا أن الأصوات الصادقة انبرت من داخل صفوف الحركة ومن خارجها لتضع النقاط على الحروف، ولا أرى أن هناك أي داعٍ أو سبب لعقد هذا المؤتمر في العلن، وأصلاً ظلت الحركة الإسلامية منذ بداية قيادة الترابي لها في مراحل جبهة الميثاق ثم الجبهة الإسلامية القومية وأجد المؤتمر الوطني «تمومة جرتق» بالمصطلح المحلي و«الأمة التي تلد ربتها» بالمصطلح العالمي.. فقرارات المؤتمر أو مجلس الشورى لا تهم أحداً في المؤتمر الوطني ولا في الدولة. والكلام الذي نُسب إلى الأخ نائب الرئيس من أنَّ الحركة الإسلامية أفلحت في قيام حكم على الأصول الإسلامية وأن السودان هو البلد الوحيد الذي لا يقوم التعامل المصرفي فيه على الربا.. إن كان حقاً هذا ما قاله الأخ الحاج آدم فحسبي الله ونعم الوكيل!! لأن الربا الآن في السودان أصبح ممارسة سيادية تتبنّاه الرقابة الشرعية في أعلى مستويات النظام المصرفي، أما الأنموذج السوداني في التطبيق فليس الأخ عبد الوهاب محمد علي هو الذي حذَّر منه الحركات الإسلامية الحاكمة في الخارج.. بل إن كثيرين نبّهوا الإخوة في مصر وفي ليبيا بأخذ الحيطة والحذر عند النظر في الأسلوب السوداني الإنقاذي في تطبيق الشريعة. والذي سعت قيادتُنا في المناورة من منعنا من قوله من داخل المؤتمر فقد قيَّض الله من أسمعه للإخوة.. والقول بتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان على يد المؤتمر الوطني أو الإنقاذ لا يعدو أن يكن أكذوبة كبرى. وإذا صحَّ كلام الأخ الوالي حول القوانين الجنائية فإن الشريعة الإسلامية ليست موجودة في أي مكان في السودان إلا في الأضابير والملفات والأرفف وليس هذا لها بمكان.. والشريعة الإسلامية لا يضيرها أن تكون مكتوبة ومفصَّلة أو لا تكون فإن أصولها موجودة في الكتاب والسنة وفي أمهات الفقه وفي السلوك العام اليومي للراعي والرعية إن أراد النظام تطبيق الشريعة وأن الذي على الحركة الإسلامية أن تفعله أن تترك هذا المكاء والتصدية الذي تمارسه خارج السلطة وعليها أن تتخذ قراراً بحل المؤتمر الوطني واستلام مقاليد الحكم وأن تحكم بالأصالة لا بالوكالة. إن الحركة الإسلامية بسلطتها الوهمية الحالية لن تستطيع أن تتخذ قراراً في قطاع الشمال.. ولن تستطيع أن تتخذ قراراً في اتفاقية الحريات الأربع.. ولا في تقسيم أبيي.. رغم أن كل عضوية الحركة الإسلامية على قلب رجل واحد في رفض سياسات الدولة في هذه الأمور وأخرى تشابهها. ولكن الحركة الإسلامية كفرت بالشُّورى وآمنت بالولاية فأصبح نفرٌ محدود من قدامى عضوية الحركة الإسلامية هم دون غيرهم أوصياء على السياسة الشرعية في السودان.. فما رأَوه وارتضَوه هو السياسة الشرعية وما رفضوه وتركوه فليس بسياسة شرعية والحركة الإسلامية تصدق كل ما يصدر عن الصفوة وتدعمه وترى الخروج عليه خروجاً على الحركة الإسلامية وربما على الإسلام.. مع أنهم كارهون لتفاصيله عالمون بأنها ليست من الإسلام في شيء. عندما جاءني نفرٌ من عضوية المؤتمر الوطني يطلبون مني التنازل عن ترشيحي في الدائرة 12 كرري الشرقية لصالح محمد علي أحمد.. لم يأتوا بصفتهم حركة إسلامية بل جاءوا بصفتهم مؤتمر وطني ومعهم المعتمد وبعض القيادات.. وأنا أصلاً لم أترشح ضد مرشح الحركة الإسلامية بل ترشحت ضد مرشح المؤتمر الوطني.. والإخوة الذين اجتهدوا في إبعادي عن هذا المؤتمر رغم اعترافهم الكامل بأن لا أحد يستطيع فصل أي عضو من الحركة الإسلامية.. هؤلاء الإخوة كان من حججهم ضدي أنني رفضت التنازل عن ترشيحي في الدائرة.. التي أُلغيت وأُعيدت فيها الجولة دون إخطار المرشحين بأسباب الإلغاء ولا تعويض الخسارات مما جعل مرشح المؤتمر الوطني في الإعادة مثل القبرّة التي قال فيها الشاعر: خلا لك الجو فبيضي واصفري.. ونقِّري ما شئت أن تنقري.. وفاز المرشح بفضل الشبيحة.. وبفضل الشجرة التي كانت في ذلك الوقت أكبر فكرة شيطانية دعمت معظم مرشحي المؤتمر الوطني لالتصاقهم بالشجرة التي كانت رمز البشير.. وهذه عينة من الدغمسة التي ظلت الإنقاذ وظل المؤتمر الوطني يمارسها طيلة ربع قرن من الزمان أرجو ألا تتحدث الحركة الإسلامية عن الحكم.. ولا عن الفساد ولا عن السياسة.. على الأقل في هذه المرحلة. بل عليها اليوم أن تنظر في ميراثها الذي تطاير وتناثر ما بين الأحزاب التقليدية والمتمردين العائدين من التمرد وبعض التائبين من الشيوعية والعلمانيين.. وكأن الحركة الإسلامية ما زالت مرتهنة لمقولة حسن الترابي «هذا الأمر لمن صدق وليس لمن سبق»، وهي مخالفة للأصل الشرعي والأصل القرآني.. «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان». ولكن الحركة الإسلامية تركت الفقه واتبعت الدغمسة، والنص القرآني لم يقيِّد السبق بل قال السابقون الأولون ولكنه قيَّد الاتباع فقال والذين اتبعوهم بإحسان، مما دلَّ على أن السبق يأتي بلا قيد ووحده يكفي.. ولكن الاتباع يحتاج إلى قيد أي إلى إحسان في الاقتداء والاتباع.. وهذا حكم عام وليس مطلقاً.. والأخذ بالعام واجب إلا إذا ظهرت ضرورة للاستثناء.. وجاءت مصطلحات المؤلَّفة قلوبهم ومسلمة الفتح لتدل على مراتب المسلمين في ذلك الزمان.. ولتضع الأساس في الولايات والتعيينات. وعلى غرار ذلك جاء قولهم «كانوا في الفتوح لا يولون إلا الصحابة» يعني لا يولى أحد على جيش فيه صحابي واحد. إذا كانت الحركة الإسلامية لم تسمع بقول الشاعر ويُقضي الأمر حين تغيب تيم.... ولا يستأمرون وهم شهود فهأنذا أذكرهم.. وهم اليوم يمثلون تيم السودان.. فلا يُستشارون في أبيي ولا في الحريات الأربع ولا في لجنة الدستور.. ولو كان فكرهم هو الحاكم والغالب لهان الأمر.. ولكن ماذا نفعل وماذا نقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل.