الباحث في الشأن السياسي السوداني من ناحية التركيبة الحزبية، وماهية أحزابنا الفاعلة على الساحة ومناهجها منذ النشأة، وما هو معدل التطوير فيها حتى يومنا هذا؟ يقف مشدوهًا ومنصدمًا وبارد الجسد أمام الناتج السالب على كل الأصعدة والمستويات، ويقف أمام حقيقة ثابتة أن جيلاً معينًا أمسك بتلابيب القيادة ومفاصلها المهمة منذ النشأة وحتى الآن، دون أن يتقدم خطوة واحدة نحو تطوير هذه الأحزاب لتتحمل مسؤوليتها التاريخية، وفي نفس الوقت ليست لديهم أصلاً الفكرة للتنحي وإفساح المجال للأجيال الأخرى لتقدم قياداتها بفكرها الجديد، وهذا الجيل القديم المسيطر ما زال على قناعة أن حواء السودانية لم ولن تلد خيراً منهم أو حتى مثلهم، وهم في حقيقة الأمر يسّيرون أحزابهم، وبالتالي أيضًا سياسة البلد على طريقة قص ولصق، ورزق اليوم باليوم، بمعنى أنه لا يوجد حزب في السودان له دستور ولوائح مفعلة ومعروفة للكافة تحدد سياسة الحزب وآلياته والخطوط العريضة على الأقل لتسييره واتجاهه الذي ارتضاه، بالتوافق مع كوادره القيادية وقاعدته على مستوى المؤيدين. وظلت سياسة أحزابنا العاملة في الساحة دائمًا بيد رجل الحزب الأوحد، حتى الأحزاب العقائدية التي تدعي التطور والمنهجية والمؤسسية ظل حالها كذلك. وبالتالي مهما ازدحمت أدراج هذه الأحزاب بالدساتير واللوائح ومحاضر الاجتماعات حول القضايا الأساسية، يظل رجل الحزب الأوحد هو صاحب الكلمة والرأي والقرار، ولا توجد في أحزابنا جهة يمكن أن تقف في وجه الرجل لتناهض قراراته التي تجانب المؤسسية أو غير المتفق عليها، إذن أية ديمقراطية نتحدث عنها ويتشدق بها المثقفاتية في أمسياتهم وكتاباتهم، نعم للديمقراطية وهي القادرة على بناء الشعوب والدول وهي الضامنة لتطويرها وتقدمها ولكن لا يمكن أن نطلبها من تركيبتنا الحزبية المطروحة على الساحة الآن، حيث من المؤكد أن فاقد الشيء لا يعطيه-فكيف يحدثنا أهل اليسار أو أهل اليمين عن الديمقراطية وهي لا تطبق داخل أحزابهم الصغيرة في كل يوم بل في كل ساعة. وما الانقسامات وحالات التشظي الناشطة وسط كل الأحزاب السودانية إلا دليل ثابت على ما أقول، وكل هذه التشظيات ناجمة عن انعدام الشورى والديمقراطية داخل الأحزاب، وعدم استعداد القائمين عليها لسماع الرأي الآخر حتى إن كان من المريدين والمخلصين لهم طالما خرجوا أو خالفوا رجل الحزب الأوحد في الرأي أو التحليل! ومن المعلوم أن هذه الانقسامات الحزبية ما أنتجت إلا أحزابًا ضعيفة وهشة وغير قادرة على حمل أفكارها أو طرحها في الشارع السياسي، وهي أيضًا بهذه الوضعية قابلة لانشطارات أخرى تزيد الأمر سوءًا على سوء، وتتراكم الضحالة السياسية ونغرق في جدل لا طائل منه دون النظر إلى عيوبنا الحقيقية. وأولها أن نبتعد عن شخصنة الموضوعات لإفساح المجال للحلول العملية والعلمية لتأخذ مكانها وبشكل عاجل وفاعل. وفي تقديري أن أول مفاتيح الحل على مستوى السودان هو الحد من هيمنة جيل ما بعد الاستقلال على مقاليد ومفاصل الأحزاب السياسية السودانية، وببساطة لا بد أن تلتزم جميع الأحزاب السياسية بكتابة دساتيرها على أن ينص فيها بشكل واضح على عدم جواز تولي المناصب القيادية في هذه الأحزاب لأكثر من دورتين كسقف أعلى- وبهذا نسمح لأجيال من القيادات الشابة بالظهور وتعلم دربة القيادة. وينفتح المجال أمام الكثير من الكوادر والطاقات المعطلة للانطلاق لتدور في مسالك العطاء والتطور ومعالجة قضاياها بفكر جديد ورؤىً متطورة، ومن ثم الخروج بقوة وسرعة من حالة التحجر والتجمد السياسي الحالية.تعالوا جميعًا ندعو ونقود ثورة تشبيب القيادات الحزبية وحتى الوظائف القيادية والتنفيذية في البلد، وهذه الثورة من السهل بمكان بلوغها مقاصدها إذا خلصت النوايا وإذا آمن الجميع بالتداعيات السالبة لتكريس القيادة السياسية في جيل بعينه، وأيضًا إذا آمن الشباب بدورهم وطالبوا به ولم يتنازلوا عنه. كما هي صعبة جدًا إذا لم تتوافر لها الظروف التي ذكرتها آنفًا.تصوروا أن رئيس وزراء بريطانيا السيد ديفيد كاميرون يبلغ من العمر «45» سنة وهو من مواليد 1967م، كما أن نائب رئيس مجلس الوزراء نك كليج أيضًا عمره «45» سنة «حسب رواية الكرنكي». وفي أحزابنا في هذه السن لا تسمح لكوادرها بالحديث داخل اجتماعات الحزب، فالحديث لأصحاب السبعينيات والثمانينيات وعليكم أنتم هز الرؤوس والتصفيق الحار عند نهاية الاجتماع. الممارسة السياسية الحالية التي لا تسمح بانتقال المسؤولية السياسية جيلاً بعد جيل تصنع يوميًا أجيالاً من الفاقد التربوي السياسي، وتحرم البلاد من طاقات كبيرة هي في حاجة لها لتواكب العالم من حولها. الشاهد في الموضوع أن أحزابنا السياسية بوضعها الحالي أوهن من نسيج العنكبوت ولا تقوى على مجابهة التحديات التي تواجه الوطن والتحديات العالمية التي تفرضها العولمة والعلمية المتخصصة. ومن هنا يبدأ إصلاح كل تفاصيل الوطن. كسرتان الأولى.. الحريات الأربع أصبحت أمرًا واقعًا بعد توقيع السيد الرئيس، إذن لنعمل بفكر هادئ لتقليل سلبياتها، ويكون ذلك بتأطيرها بالشروط اللازمة للتطبيق وتقييدها بما ينفعنا كاشتراط سنة معينة، الحالة الصحية، التأهيل الأكاديمي، خلو الصحيفة الجنائية، حاجة البلد للكادر الراغب في التملك أو الإقامة، كما لا بد من إيجاد نص واضح وصريح يسمح بالإلغاء، أي من هذه الحريات، في حالة مخالفة المستفيد. الثانية.. إخواني أبناء القرير الأجلاء: حوبتكم جات، الآن بدأ العمل في إعادة بناء النادي، الخرطوم شارع «61» وللقرير دين كبير في رقابنا جميعًا، وحاليًا اللجان في انتظار دعمكم السخي والمتوقع، لا سيما وأنتم دائمًا أهل الريادة والسيادة وأهل الفزع والنفير.