قال خالد مشعل كلامًا مهمًا عن الإسلام السياسي والديمقراطية وعن تجربة حماس في غزة يستحق أن يستمع إليه، وكان قد قدم ورقة حول هذا الموضوع إلى مؤتمر «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي»، الذي عُقد بالدوحة في الأسبوع الماضي، ونظمه المركز العربي للأبحاث، من النقاط التي أثارها أبو الوليد ما يلي: إن تجربة الأمة الإسلامية والعربية قصيرة في الديمقراطية أو الشورى، إذ إنه بعد مرحلة الخلفاء الراشدين خضعت الأمة للملك العضود الذي وازنته قوة المجتمع الإسلامي، الذي ظل محتفظًا بحيويته وكان قادرًا على التقليل من سلبيات السلطة. لذلك فإن على مختلف القوى السياسية وبالأخص تلك التي تنتمي إلى الإسلام السياسي أن تؤسس لنموذج معاصر للديمقراطية. إن الديمقراطية أصبحت مطلبًا أساسيًا لكل القوى الإسلامية التي اختارت المشاركة في العمل العام، خصوصًا أنها كانت الأكثر تضررًا من غيابها، بالتالي فإنها الآن أكثر وعيًا بأهميتها بما تكفله من تعددية وحرية وتداول للسلطة يحتكم فيه إلى رأي الشعب. وطالما أنها انحازت إلى ذلك الاختيار فعليها أن تقبل بكل نتائجه وأن تتحمل ثمنه. إن النموذج الأوروبي الذي يتحول فيه صاحب الأغلبية إلى السلطة وصاحب الأقلية إلى المعارضة أو حكومة الظل لا يصلح للحالة العربية حديثة العهد بالتجربة الديمقراطية، وإنما أثبتت التجربة أننا أحوج ما نكون إلى التوافق بين القوى السياسية. الأمر الذي يعني أنه ينبغي تجنب التفرد بالحكم من جانب أي قوة سياسية مهما بلغت الأغلبية التي تمثلها.. وإنما يتعين أن تكون الشراكة هي القاعدة التي ينطلق منها الجميع. إن الإسلاميين مهما بلغت قوتهم العددية لا يستطيعون إلغاء الآخرين، وليس في مصلحتهم ولا مصلحة الوطن والأمة أن يحدث ذلك، بالمقابل فإن القوى الأخرى القومية والليبرالية مطالبة بأن يكون حرصها وسعيها إلى التوافق مقدمًا على دعوات قطع الطريق على الإسلاميين ومحاولة إفشالهم. على الإسلاميين أن يدركوا أن الحكم أعقد مما يتصورون، حيث إن الفرق كبير بين المعارضة وإدارة الدولة، وبين النقد والممارسة. وذلك اختبار صعب لكي يجتازه صاحب السلطة فعليه أن يكون مدركًا للأولويات وواعيًا بالموازنات، التي لا تكون عادة بين المصالح والمفاسد، لكنها تكون أيضًا اختيارًا بين مفاسد أو أضرار صغرى وأخرى كبرى. الإسلاميون أيضًا مطالبون بالتواضع مع القوى السياسية الأخرى وبعدم إطلاق الوعود بغير حساب للناس، لأنهم لا يستطيعون أن يؤدوا دورهم دون غيرهم، ولا يستطيعون أن يدعوا لأنفسهم امتلاك الحقيقة. عن حركة حماس قال أبو الوليد ما يلي: إن الحركة ليست جزءًا من الإسلام السياسي ولكنها جزء من المقاومة بالأساس، ونسبتها أولى إلى حركة التحرر الوطني، بذات القدر فإنه من المبالغة القول بأن ثمة حكمًا إسلاميًا في غزة، ولكن هناك تجربة فرضت على حماس تحمل مسؤولية إدارة القطاع في ظروف غير عادية، لأن السلطة في الحالة الفلسطينية ليست الحالة الاعتيادية، إذ هي منقوصة السيادة بل ومعدومة السيادة أيضًا، كما أن عناصر الدولة غير موجودة، فالشعب مجزأ ومشتت والأرض محتلة والسلطة لا تملك سلطة. من هذه الزاوية فمن المبالغة الحديث عن حكم للإسلاميين في غزة، فحماس خاضت تجربة المشاركة في الانتخابات والحكومة مضطرة للحد من سلبيات أوسلو، وقد ارتكبت أخطاء وتعلمت منها. وبالتالي فإن ما فعلته لا يعد نموذجًا وإنما هو درس وعبرة بالدرجة الأولى. حاولت حماس أن تجمع بين السلطة والمقاومة، وتبين أن ذلك من الصعوبة بمكان، لكنها ظلت منحازة إلى المقاومة التي لا تزال مستمرة في غزة، رغم صعوبة الوضع الجغرافي والحدود مع العدو الصهيوني، الأمر الذي جعل الصواريخ هي الوسيلة الوحيدة للمقاومة، وذلك لا يكون ميسرًا في كل الأحوال. إن المشكلة الحقيقية للفلسطينيين في الوقت الراهن ليس الانقسام فحسب، ولكن أن ياسر عرفات وافق على تأسيس السلطة وإعلان الدولة قبل تحرير الأرض، وذلك مأزق لم يدرك أبو عمار أبعاده إلا قبل استشهاده. أخيرا دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى التفاعل بين دول الربيع العربي، ونبه إلى الأهمية الإستراتيجية للتقارب بين مصر وإيران وتركيا. وحذر من الاستقطاب بين القوى السياسية وبين الشيعة والسنة، باعتبار أن الأول خطر يهدد الأوطان والثاني يهدد الأمة. أغلب الطن أن أبا الوليد أراد بكلامه أن يلخص للمؤتمر الذي اختتم يوم الثلاثاء الماضي (9/01) خلاصة خبرته، كما أنه حرص على أن يوجه في الوقت ذاته بعض الرسائل إلى القوى الإسلامية التي أصبحت في قلب السلطة، خصوصًا أنه كان راجعًا لتوه من زيارة لمصر.