. زواج القاصرات موضوع أثار جدلاً واسعًا، فالطفلة القاصر التي يتم تزويجها لم يكتمل نموها الجسمي والعقلي والنفسي، ورغم ذلك تجد نفسها قد أصبحت زوجة بين ليلة وضحاها فلا تقوى على مفارقة حياتها الطفولية ولا تستطيع مجاراة حياتها الحالية، فالقصر من قصر قصورًا عن الشيء فهو قاصر أي تركه مع العجز، واصطلاحًا الجاهل القاصر هو كل جاهل معذور بجهله إما لأنه غير ملتفت للمسألة التي يجهل بها أو لأنه ملتفت لكنه غير قادر على معرفتها، وفي فقه الفقهاء هو العاجز عن التصرفات الشرعية ولم يبلغ بعد سن الرشد.. طرحنا هذا الموضوع للنقاش بين عدد من الفئات كما استعنا برأي علم الاجتماع ورأي أهل الدين ورأي الطب.. «ك، م» تبلغ من العمر الآن «25» عامًا وهي أم لستة أطفال تحكي تجربتها قائلة: كان عمري وقتها «11» عامًا عندما جاء والدي إلينا في زيارة بحكم انفصاله عن والدتي وأخبرني بخطبتي لرجل لم أرَه قط في حياتي، وحينها كنت ألعب «الحجلة» مع نديداتي! بل الأسوأ من ذلك أنه قام بتحديد موعد عقد القرآن، ولم تشفع حينها توسلات والدتي، وبالفعل وجدتُ نفسي زوجة في غضون «15» يومًا، ولم أكن قد بلغت مبلغ النساء بعد، فعانيت ما عانيت ولكن «البركة في وليداتي». الحاج عبد القادر يرى أن الزواج عز وسترة للفتاة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ويضيف: المرأة ليس لها سوى بيتها وزوجها. تحكي الحاجة «ب. أ.» قائلة: انفصلنا أنا وزوجي بعد مضي سنة فقط على زواجنا، والسبب هو أنني كنت صغيرة في السن ولم أكن آبهة لطلباته وكان هو يكبرني بعدد من السنوات، ومكثت في بيت والدي بعد الطلاق قرابة سبع سنوات لأتزوج مرة ثانية عن قناعة ورضا، والحمد لله أنجبتُ البنين والبنات لكني بالتأكيد لن أقوم بتزويج بناتي وهن قاصرات ومع ذلك لن أدعهنَّ حتى يفوتهنَّ القطار. «م. م.» شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره قال في إفادته: أنا آثرت عقد قراني من بنت خالتي وهي مازالت بالصف السابع وذلك لشيء في نفسي بعدم الارتباط بفتاة لها تجارب من قبلي، والحمد لله أنا أتعامل معها حسب مرحلتها العمرية. رأي علم الاجتماع: اختصاصي علم الاجتماع الأستاذة سلافة بسطاوي أفادتنا بقولها: زواج القاصرات واحدة من المشكلات التي تتطلب رؤية واضحة في التعامل معها، فهنالك مشكلات تتعلق بجانب الطفلة التي تم تزويجها، فهي تعاني من عدم مقدرتها على التعامل مع الزوج بمسؤولية، كما أنها تعاني من مشكلات صحية تتعلق بصحة الأمومة والطفولة وكيفية تربية الأبناء، ففجأة تجد الطفلة أنها أمام أدوار لم تستعد لها، ومن ناحية ثانية نجدها تتعامل مع نساء من ذوات الخبرة السابقة لها في الحياة، فتجد نفسها في حالة صراع، فهي لا تستطيع مجاراتهنَّ في أحاديثهنَّ ولا تستطيع العودة لعالم طفولتها. وغالبًا ما يكون سبب الزواج نتيجة لضغوط خاصة بالأسرة كطلاق الأبوين وزواج كل واحد منهما أو أحدهما فيكيد أحدهما للآخر فتكون الطفلة هي الضحية، وأيضًا كرفض الطفلة الذهاب للمدرسة فيكون الزواج هو الحل «مادايرة قراية معناها عايزة عرس»! والزواج من المفترض أن يقوم على التكافؤ والاختيار وهذه حقوق تفقدها الطفلة.. نجد أن الزوج يريدها زوجة مكتملة تقوم بكل المهام التي تقوم بها الزوجة العاقلة الناضجة فتنشأ كثير من الصراعات ويظهر عدم الرضا وتستعصي الاستمرارية في الحياة الزوجية وينتج عن ذلك إسقاطات في نفسية الطلفة إذا ما أنجبت، فربما تتعامل مع طفلها بعنف مبالغ فيه لأنها لم تعش طفولتها كما ينبغي لها «فاقد الشيء لا يعطيه». ومن ناحية إدارة شؤون المنزل الاقتصادية نجد أن أولوياتها تكون طفولية ولا تضع حسابًا للمصروفات الأساسية.. هذه الأسباب تقود لمشكلات تنشأ بين الطفلة «الزوجة» وزوجها، خاصة فيما يتعلق بممارسة الحياة الزوجية، فالطفلة تعتبر تلك الممارسات غير مقبولة بالنسبة لها ويرفض عقلها الصغير استيعابها، وربما يعتبرها الزوج ناشزًا فتصل المشكلات بينهما إلى حد المحاكم والطلاق. رأي الدين: الدكتور إبراهيم من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية أفادنا بقوله: الزواج ركيزة لبناء المجتمع، ويجب أن تكون الصورة مكتملة بين الزوجين، والقاصر لا تتحمل أعباء المسؤولية، وأصل الزواج حقوق وواجبات، وقد قال عليه الصلاة والسلام «كلكم راعٍ وكلٌّ مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها... الخ الحديث». والشريعة الإسلامية لم تبني على زواج القاصرات أي أحكام، ولكن عموم التكليف يكون بشرطين أولهما العقل وهو مناط التكليف، وثانيهما البلوغ وهو سن تحمُّل المسؤولية، بالتالي الطفلة القاصر لا تكون تصرفاتها مسؤولة فكيف يستقيم ذلك وهي المنوط بها تكوين أسرة، والأسرة هي لبنة المجتمع، فإذا كان هناك أي تقصير أو اعتلال في الأسرة يؤثر ذلك تأثيرًا مباشرًا على المجتمع، والزواج جملة من المعطيات «اجتماعية ونفسية واقتصادية» ولا يقتصر على أحد المعطيات دون الآخر. رأي الطب: الدكتور عبد المنعم بشير يعقوب اختصاصي النساء والتوليد أفادنا في هذا الصدد: بالنسبة لزواج القاصرات تنشأ لديهنَّ مشكلات صحية لها علاقة بالعمر أو مايسمى «استغلال الأطفال»، كما أنهنَّ يعانين من مشكلات نفسية وجسدية لها تأثيرها على المدى البعيد على نفسيتهن نسبة لعدم اكتمال النضج الفكري لديهنَّ. وفيما يتعلق بموضوع الحمل والولادة فإن أجسادهن لم يكتمل النمو فيها ويعانين من الولادة المبكرة وتكثر في وسطهن نسبة الولادة القيصرية لعدم اكتمال تكوين الحوض لديهن.. كما أنهن يفتقرن للنضج الذهني والفكري ولا يُدركن خطورة الحمل وعدم المتابعة مع الاختصاصي.