انعقد الملتقى الاقتصادي بعد إكمال إعداد مقترحات الموازنة العامة للدولة، وليس بين ختامه وتقديم مقترحات الموازنة لمجلس الوزراء لإجازتها ورفعها للمجلس الوطني لإجازتها في شكلها القانوني النهائي إلا بضعة أيام من بينها عطلة نهاية الأسبوع، ويعني هذا أن نتائج وتوصيات الملتقى لم تكن ذات مدخلات مباشرة في إعداد مشروع الموازنة العامة لعام 2013م. والأوراق التي تم إعدادها لتلقى في المؤتمر تم إعدادها في رأيي إعداداً جيداً، وأما التوصيات فليس فيها جديد أو مفارقة عما قبلها من توصيات ومقترحات التي تم بناء البرنامج الثلاثي عليها. ولعله كان من الأجدر بالمؤتمرين أن يعطوا قدراً أكبر وأكثر جدية للنتائج التي تم التوصل إليها نتيجة إجازة واعتماد والبدء في تطبيق مقررات البرنامج الثلاثي والنظر فيها بنظرة فاحصة تقيم النتائج وليس المبادئ التي تم اعتمادها فقط. وإذا نظرنا إلى أداء الموازنة العامة فإن العجز قد ازداد والاستدانة من النظام المصرفي قد ازدادت والتضخم قد ارتفعت وتيرته حتى قاربت الخمسين في المائة للشهر السابق، وازداد الإنفاق الحكومي، ولم يتم تقشف حقيقي ولا حتى شكلي في الإنفاق الحكومي كما تم وصفه بذلك من السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني. حتى صرح بأن هذا تصرف دولة مفلسة، وأنه يقود سيارة معطوبة الإطارات، وقد صدق في الأخيرة لأن السيارة تحمل حمولة كبيرة غير مبررة تعجزها عن الحركة الفاعلة، ولم تخفض هياكل الحكم بالنسبة المؤثرة إلا قليلاً، وهل كان على وزير المالية إبداء هذا الرأي السالب فقط أم تقديم مقترحات واضحة محددة بناءً على قناعاته والصمود معها وإلا... وسنفصل إن شاء الله في عمودنا غداً مقترحاً لخفض هيكل الحكم. أما العمود الذي لحقه الانهيار فعلاً.. كما جاء في ورقة القطاع النقدي والمصرفي والخارجي التي قدمها الدكتور صابر محمد حسن حاجكول المحافظ السابق للبنك المركزي.... فهو سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الذي انخفض في مايو من عام 2012م بنسبة 91%، حيث وصل السعر المعلن له إلى خمسة جنيهات مقابل الدولار، وفي السوق الموازي زاد عن الستة جنيهات ونصف الجنيه، أي انخفض بنسبة 30% مرة أخرى، وهذا أدى لانعكاسات سالبة على كثير من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وهو الانخفاض أو الانهيار في القيمة التبادلية للعملة الوطنية مقابل العملات الأخرى في الاقتصادات المستقرة التي تحقق نسباً معقولة من النمو والتنافسية، يعني فرصة كبيرة لانتعاش الصادرات من الإنتاج الوطني، إذ يعني أن إنتاجنا أصبح أكثر تنافسية في الخارج، فهل ارتفعت صادراتنا والعائدات منها بنفس تلك النسبة، والدول مثل الصين من مشكلاتها الرئيسة مع الولاياتالمتحدة أن الصين تحافظ على قيمة تبادلية متدنية وغير حقيقية لليوان مقابل الدولار، مما يعني أن السلع الصينية أكثر تنافسية مما يعمق العجز في الميزان التجاري الأمريكي، والصين ترفض رفع قيمة عملتها لأنه لا يهمها ازدياد العجز في الميزان التجاري الأمريكي بقدر ما يهمها تحريك الإنتاج القومي الصيني وزيادة الصادرات التي تعني ازدياد الفوائض والاحتياطات حتى قاربت أربعة ترليونات من الدولارات، وتخفيض نسبة نمو متواصلة في الناتج الصيني تقارب 9% سنوياً بما يعني خلق مزيد من فرص العمالة والرفاه للمواطن الصيني وقوة الاقتصاد الصيني الذي صعد مع بداية عام 2012م ليحتل المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية متخطياً اليابان، ويأتي الاقتصاد السوداني في المرتبة «73» في العالم. أما ورقة القطاع الحقيقي التي قدمها الدكتور أبو القاسم أبو النور، فقد تناولت القطاع الزراعي والصناعي والنفط والتعدين والثروة الحيوانية وغيرها، وهذا القطاع الإنتاجي أو المعني بإنتاج السلع فقد حدث فيه تطور كبير، جزء منه بفضل الإدارة النشطة والحكيمة في قطاعي النفط والتعدين، وهذا الأخير كان جل النشاط فيه للتعدين الأهلي بمبادرة المواطنين أنفسهم، وأخيراً بدأ اجتهاد الدولة في عمليات التنظيم بإدخال القطاع المنظم وكذلك النفط. وحقق هذان القطاعان نتائج جيدة وحاسمة في إسناد الوضع الاقتصادي من مواد بترولية ضرورية لمجمل النشاط في البلاد ومن توفير للعملات الحرة التي أصابها ضعف شديد بعد خروج نفط الجنوب، وعدم التوصل لترتيبات أمنية على الأرض تسمح بإعادة ضخ بترول الجنوب، وفي رأينا أن قطاع النفط والتعدين يحتاجان إلى عمل كبير، وربما مراجعة سياسة تخصيص المربعات وجعلها أكثر تنافسية، وسنعود لهذا لاحقاً بعد أن نستكمل معلوماتنا حوله بإذن الله. أما القطاع الزراعي وهو يعتمد على الهطول الجيد للأمطار، فقد كان مبشراً جداً هذا العام مقارنةً مع العام الذي سبقه وقبله، وأي نجاح في هذا يحمد عليه نزول القطر قبل غيره، ولا يجوز إدخاله في عداد انجازات أية جهة كما فعل أحد الوزراء في زمن سابق. وكانت النتيجة إيجابية بحمد الله، ومن المتوقع إنتاج كبير في القطاع المطري الآلي والتقليدي في «السمسم والفول والذرة والدخن والصمغ» وإنتاج الثروة الحيوانية، وأما في القطاع الحديث المروي فقد صاحبته إخفاقات كبيرة في إدارة عمليات الري بحسب رأي وزير الزراعة وغيره من الجهات المعنية، وكانت هذه فرصة سانحة لو تم إحسان استخدامها لكانت النتائج كبيرة في القطاع المروي، خاصة في مشروع الجزيرة والمناقل، وفي مقابل الزيادة في إنتاج سلع الصادر الرئيسة المستهدفة الأربع الثروة الحيوانية والذهب والصمغ والقطن، فقد حققت كلها نتائج إيجابية جداً، إلا ما كان من أمر القطن الذي انخفضت مساحته لحوالى خمسين بالمائة مما كان عليه في العام السابق وبنسبة أكثر من 80% من المقدر للبرنامج الثلاثي للنهضة الزراعية، وسنعود إليه لاحقاً بإذن الله.