يتقارب موضع سكنهما بحي العرب ويتقارب أهلهما في مودات الصلات الإنسانية. وفوق كل هذا كان لهما مواهب فطرية في عالم الغناء الراقي. فعبد الرحمن الريح شاعر مطبوع له من المواهب في كتابة الشعر ما جعله أحد أساطين نظمه غناءً ورثاءً وإخوانيات. أما إبراهيم عوض فقد حباه الله بصوت يحاكي أصوات الخالدين من أصحاب الأصوات الفراديسية. التقيا في يوم جمعة من شهر يوليو من العام »1953م« فكان اللقاء بداية انطلاقة العملاقين في عالم الغناء شعراً ولحناً وغناءً. ومن فرط تجويد ود الريح للأغنيتين الاثنتين اللتين منحهما لإبراهيم عوض أن ذُهل الأربعة الجالسين في امتحان القدرات الغنائية لإبراهيم عوض حين جلس يؤدي أُغنياته. وهم أعضاء اللجنة من الإذاعيين متولي عيد مدير الإذاعة خاطر أبو بكر حلمي إبراهيم محمد عبد الرحمن الخانجي. فكان سؤال متولي عيد له:- إن كنت كذلك فأنت فنان بلا شك وذلك بعد سماعه للأغنيتين القنبلتين (هيجتني الذكرى) و(ابسمي يا أيامي) كانت انطلاقة إبراهيم عوض في عالم الغناء بسبب هاتين الأغنيتين الفريدتين. ليتعاون فيما بعد مع كل من الطاهر إبراهيم والنعمان علي الله وسيف الدين الدسوقي وإبراهيم الرشيد. كان النص الغنائي حين يكتبه ود الريح يقوم بتلحينه أولاً ومن ثم يتغنى به. ومن ثم يكون إبراهيم عوض جاهزاً لأدائه. شكل الاثنان ثنائية رائعة ظلت وستظل محل نظر المهتمين بعالم الغناء الراقي والفن الأصيل. غير ذلك كان الاثنان من ذوي الصفات المشتركة. فالأناقة والكرم كانا ديدن الاثنين وما بيوتهما المفتوحة للأهل والمعارف والأصدقاء إلا دليل على ما ذهبنا إليه. يشترك الاثنان في امتهان مهن كانت بمثابة المعين لهما ولأهليهما في أمر العيش الكريم. فعبد الرحمن الريح كانت مهنته صناعة الحقائب الجلدية الأصلية بسوق أم درمان وهي المهنة التي برع فيها بالتفنن فيها حتى أضحى من مشاهير ممتهنيها. أما عالم (الحدادة) وصناعة الأبواب والنوافذ المنزلية زائداً تطويع الحديد فقد كان إبراهيم عوض أحد الفنانين فيها بورشة المعلم ناصر.. ويقول إبراهيم عوض في حوار نُشر قبل وفاته إنه قام بصناعة أبواب منزله الذي يسكن فيه. الاثنان من الشخصيات التي جعلت السودان يتابع إنتاجهما حتى أصبحا حالة من الاهتمام والمتابعة، حدثت بينهما جفوة بدون سبب وجيه والسبب صحافي وشى بينهما، ومن عجب أن عودتهما لبعضهما البعض جعلت ذلك الصحافي يتوارى عنهما حتى رحلا رغماً عن مرور ستين عاماً على لقائهما الأول في عالم الفن الغنائي بتلك الأغنيات إلا أنها ما زالت معتقة وكأنها تخاطب أبناء اليوم. ودونكم (ابسمي يا أيامي بسمة الزهر النعامي). بعد وفاة عبد الرحمن الريح حسب الناس أن عصر إبراهيم عوض قد أفل. ولكن خاب ظنهم إذ تغنى إبراهيم عوض وكأنه ابن العشرين متحدياً الظروف النفسية التي مر بها.. فكانت أغنياته القديمة وكأنها جديدة وكذلك هندامه وابتسامته المشهورة زائداً روحه الشفيفة كأغنياته الروائع. في تعاونهما مع بعضهما البعض الشاعر والفنان فتح لعالم الغناء السوداني والذي حيث يتذكر الناس تفاصيله لا بد من ذكر الاثنين ود الريح وإبراهيم عوض اللذين كتبا سفراً خالداً اسمه علاقة الشاعر والمغني.