فتق وجرح عميق ذلك الذي يجري في ديار المسيرية حيث تتكسر السيوف والنصال بعضها البعض، وفي غفلة الكل يخرجون لقتال أنفسهم، والأنباء تكشف عن أن الجيش الشعبي لدولة الجنوب الوليدة يحشد جنوده على حدودنا، الجنوب منذ أن فارقنا بإحسان لم ينم قادته بل ظلوا ينفثون سمّهم الزُّعاف ويجهون سنان بأسهم نحونا..!! المتأمل للمشهد يرى صورة غريبة تتحرك هناك في (الفولة) وأن أياديَ خفية تقف خلف الأزمة، ونسأل عن الذي يجري في دار المسيرية ببراءة.. ترى ماذا يجري؟؟! ولماذا لا تبحث الأجهزة المختصة عن هوية الشباب الذين أطلقوا شرارة المشكلة وقادوا الشابين الأول والثاني ثم قتلهما.. هكذا بدأت أمطار الدماء وأوقعت عشرات القتلى في حرب (الفولة) التي تمددت مضاعفاتها.. لكن، هل نستطيع أن نقول إن مخابرات دولة الجنوب قد أوكلت لعملائها على الشريط الحدودي أدواراً من بينها هذا الدور وإطلاق شرارة الأزمة، تأملت الواقع فبدا لي وكأن الجنوب (العدو) واقف خلف النافذة يترقب النتائج المرجوّة بعد تسريبه السلاح ثم تدبير المكيدة لجعل المسيرية بأسهم بينهم لتمضي أزمة أبييِّ دون أن يتوحدوا!! لاحظوا فجأة تنفجر الأزمة بلا مقدمات واضحة في ضحى يتحدث الناس فيه عن الولاية المفقودة ويجرى الترتيب بطلاء المباني وفتح الأبواب للقادمين.. أبحثوا عن خلية صناعة الأزمات بالداخل بعضهم داخل الحكومة، ممن استهوتهم سياسة حصاد الأرواح وحمل طفايات النيران!! هناك فراغ إداري وسياسي في غرب جنوب كردفان هو الذي سهّل مهمة إشعال الحريق لأن السلاح المنتشر في ديار المسيرية أسهم بصورة فاعلة في الفتنة، كما أن المنطقة تمضي فيها الحياة لافحة مثل صيفها لكنها راسخة بإنسانها وبالضرورة أن يخضع السلاح إلى سلطة ضابطة.. نعم الناس هناك عاكفون على موروث (رجالة) يسمو بهم حتى يبلغ أوجهاً بعيدة في أحيان كثيرة، لكن بالضرورة أن يستحضروا موروثهم الذي تركه الناظر (بابو نمر) الذي يتحسّر عليه الناس هذه الأيام وكأنهم شعروا لأول مرة بأنهم على موعد مع هذا الغيب الحزين وعيونهم تنظر إلى حوائط زعاماتهم وترى صورة الراحل (بابو) وهي مضيئة على إطار أنيق يتألق خلفه ضوء الحكمة والانضباط... صورة (الناظر) الإرشيفية رائعة لكنه كان يبصر بدموع الألم تنحدر على وجنتيه المفتوحتين على حب «المجلد» دينقا أم الديار..!! تفنيد الأزمة في أحداث (الفولة) لم تنفك عن تفنيد الذي يجري في كردفان الكبرى التي بدأت فيها تمظهرات ربما تشعل ساكنيها، ومنها نذكِّر بأمر بدأ يطرق عليه البعض وهو الحقل النفطي الذي افتتحه رئيس الجمهورية قبل أيام (حقل الزرقة أم حديدة) التابع لولاية شمال كردفان وليس شرق دارفور، كما صدر الحديث من بعض آخرهم الدكتور عمر آدم رحمة، رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان الذي قال إن الحقل ليس به نزاع وهو محسوم تبعيته إلى شرق دارفور في حين أن منطقة الزرقة هي إحدى شرتاويات (دار حمر) وسبق أن بدأت وزارة الحكم اللامركزي إبان فترة البروفسير الأمين دفع الله بعملية ترسيم وبحسب الأمير عبد القادر منعم منصور أن ممثلي شرق دارفور قد انسحبوا بعدما أدركوا حقيقة أن الحقل يتبع إلى شمال كردفان وعلى الحكومة ممثلة في رئاسة الجمهورية ووزارة الحكم اللامركزي حسم الجدل بعيداً عن التصريحات التي تخرج من بعض الشخصيات التي لا علاقة لها بالموضوع، لأن المجلس الوطني لا علاقة له بحدود الولايات، ممكن نقول مجلس الولايات إلى حد ما، لكن البرلمان، لا..!! وزارة الحكم اللامركزي عليها القيام بهذا العمل بعدالة ونزاهة لأن أمر تبعية المنطقة بالوثائق وحدود 1905م محسوم، وإذا أرادت الحكومة جعلها قومية للمصلحة العامة فهذا يتطلب إثبات تبعيتها لأن مبدأ التعويض الذي تم أيضاً يثبت أنها تتبع إلى شمال كردفان وما كان لهذا الجدل أن يخرج إلى السطح لولا تصريحات بعض المسؤولين من شرق دارفور والدكتور عمر آدم رحمة وهو محسوب أيضاً على دارفور كما أن الوزير المختص في وزارة الحكم اللامركزي هو الآخر هناك من يصنفه من دارفور لكن الحيادية في القضايا العامة مطلوبة ولا أحسب آن د. حسبو تكون له نزعة من هذا القبيل لأن دارفور وكردفان عنده سواء..الرابط في هذه المواضيع أنها أشبه ببث السموم حتى تتفاعل مع القضايا المحلية بوجود الغفلات ثم تمضي مواكب الموت القبلي وتتم فرتقة النسيج الاجتماعي وخلخلة المجتمع على حدودنا مع دولة الجنوب لتسهل عمليات الاختراق. ما حدث في جبل عامر لتنقيب الذهب بشمال دارفور ليس بعيداً من هذا لأصحاب الفطرة السوية والعقل الثاقب، لأن ما جرى بمنجم (جبل عامر) حيث خمسون ألف معدِّن أهلي يتدثرون بظلام الليل وبريق الذهب فجأة تنهمر عليهم الدانات والرشاشات لتحصد أرواحهم التي ناداها إلى هناك لمعان الذهب وحب المال، سابقاً بحّ صوتنا بأن تقوم الحكومة بإجراءات حماية هؤلاء المعدِّنين الذين يمثلون مدناً بحالها، ولا بد من تحصينهم وتوفير الخدمات لهم، لكن هناك بطء في الاستجابة.. الذي يرى بعيون ثاقبة أن أهدافاً خفية تقف خلف استهداف هؤلاء المقبلين على الحياة بطموح كبير مهره هجير الشمس والبرد القارص ثم الآن الذخيرة الموجهة على صدورهم.. كل ذنب هؤلاء أنهم رفضوا حياة الخنوع والحرب والتكسُّب من دماء الموتى وأقبلوا على حياة حرة وكريمة لكن يبدو أن تحالف المتمردين قصد تشريدهم وهو يتشدق بأنه المطالب بحقوقهم ومكتسباتهم.!! على الحكومة أن تعمل مراجعتها لكل الملفات حتى لا تأتيها الهزيمة بعد النصر كما حدث في معركة أحد التي كتب عنها التاريخ وأجمعت أن هزيمة المسلمين لم تكن نتيجة تفوُّق المشركين في قتالهم وإنما نتيجة خطأ ارتكبه فريق من المؤمنين أولئك هم (الرماة).!! والقصة معلومة للجميع - وحتى لا تنكشف مؤخرة الدولة ويتفتق نسيجها المتماسك لا بد من قراءة حثيثة وبعمق لكل الذي يجري ووضع حلول جذرية حتى يتحول الجميع لا سيما على الحدود إلى قوة تقاتل العدو الحقيقي وفلوله بدلاً من الانصراف وترك المواقع والنزول إلى الصغائر وجمع الغنائم والأسلاب..!!