عندما كان البرت آينشتين يحاضر عن نظريته النسبية سأل رجلٌ أعمى احد علماء الفيزياء كان يجلس إلى جواره، سأله قائلاً: ما هي النظرية النسبية؟ ولأن الرجل يعلم ان الامر معقد وشائك فقد حاول ان يثني الاعمى عن المحاولة ويأخذه بعيداً.. لكن الاعمى الحّ في الطلب والعالم استجاب وظن انه قادر على احتواء الامر .. قال عالم الفيزياء للأعمى ان النسبية تراكيب معقدة مثل النسب المختلفة بين مكونات اللبن الحليب.. لكنه فوجئ بالاعمى يسأله: ما هو اللبن..؟ فرد العالم: اللبن سائل ابيض اللون..؟ فقال الاعمى: السائل اعرفه ولكن ما هو اللون الأبيض؟ فاجابه الرجل أنه لون ريش البجع.. فقال: الاعمى: الريش أعرفه، ولكن ما هو البجع..؟ فقال الرجل: البجع طائر برقبة ملتوية.. فقال الاعمى: الرقبة أعرفها، ولكن ما هو الالتواء..؟ عندئذ أخذ العالم ذراع الاعمى ولواها بقوة وقال هذا هو الالتواء..! فصاح الاعمى: كفي اوجعتني.. الآن عرفت النظرية النسبية.. عندما انفصل الجنوب عن الشمال دولةً كان غاية الامر عند الشمال وهو يودع الجنوب ان يتمخض الواقع الجديد عن حسن الحوار والتعاون المشترك بين البلدين «الشقيقين» بما يحقق الرفاه والتقدم لشعبيهما و«للشعبين» فيهما.! بدت عبارة «حسن الجوار» لدولة الجنوب اكثر غموضاً واستعصاءً على الفهم من النظرية النسبية للرجل الأعمى.. وبدت كل التفاسير وتفصيل المجمل واجمال المفصّل مما يقوم به السودان لافهام دولة الجنوب انها كائن حي كل اعضائها الحيوية وكل شرايين الحياة التي تسري في اوصالها تجري في الشمال.. كل هذا بدا طلاسم مبهمة امام ناظري دولة الجنوب.. طلاسم «نسبية» تستعصي على الفهوم.. عندما كانت دولة الجنوب تحتفل بمولدها في حضور الرئيس البشير وقف رئيس الدولة المنفصلة متحدثاً في حضور رئيس الدولة الام مخاطباً تمرد دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان «لن ننساكم..!!».. بدت «لن ننساكم» هذه في السياق الذي جاءت فيه اشبه ما تكون بالادعاء الاعمى للرجل الاعمى انه يعرف السوائل جيداً وان امامه فرصة مواتية لمعرفة طلاسم النسبية وحسن الجوار.. وكل ما تبقى له وما يقف امامه لتحقيق حسن الجوار ومعرفة النظرية النسبية هو معرفة اللون الابيض.. والسودان ينتقل بالاعمى الى مرحلة التعريف باهمية السلام وماهية اللون الابيض.. ومن يومها دخلت المفاوضات مع دولة الجنوب في نفق محاولة شرح النظرية النسبية للرجل الاعمى.. بدت مسألة انسحاب دولة الجنوب من ابيي بحكم الوثائق الموثقة وبحكم مقتضيات الجغرافيا والتاريخ.. بدت لدولة الجنوب اشبه بمعرفتها «للريش» لكن المشكلة تكمن في البجع. وبدت قضية ترسيم الحدود والمناطق «المتنازع» عليها طائراً للشؤم تعرفه دولة الجنوب.. لكنها لا تعرف البجع.! وبدت حتمية فك الارتباط لدولة «محترمة» بينها وبين تمرد مسلح على دولة «شقيقة» مجاورة تحمل كل الاعضاء الحيوية لدولة الجنوب من «مداخيل» الطعام حتى «اجراءات» ما بعد الهضم، بدت هذه المسألة طلاسم شائكة لدولة الجنوب واكثر تعقيداً والتواءً من الالتواء الشهير الذي تتميز به اعناق البجع.. وحكومة الجنوب تلوي اعناقها بعيداً عن التواءات اعناق البجع.. لم يبق امام السودان غير الخيار الاخير حتى يخرج بنتيجة مفادها ادراك الرجل الاعمى للمبادئ الاولية للنظرية النسبية.. بقي خيار اخير لادراك حكومة الجنوب لاهمية احسان الحوار وتحقيق مطلوبات حسن الجوار.. بقي الخيار صفر.. بقي الوقوف بالاعمى عند تجربة عملية ومعملية «ليحس» بحسس التواء اعناق البجع.. هناك استدراك بسيط كان يمكن ان يغني الاعمى والعالم معاً عن فك طلاسم النظرية النسبية.. ويغنيهما معاً عن عبث «محاولات» الحوار الاعمى مع رجل اعمى لسبر اغوار النظرية النسبية والوقوف به عند اعتاب المستحيل.. من هو ذلك الاعمى الذي دعا الرجل الاعمى للاحتفال بتدشين النظرية النسبية.. ومن هو ذلك «العالم» الفذ الذي يصر على الجلوس الى جوار الرجل الاعمى ويسعى بلا كلل ولا ملل للزج بالنظرية النسبية داخل ريش البجع..