منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979م بقيادة الإمام الخميني وتفاعل الأمة المسلمة معها كان هناك عدم ارتياح للغرب بصفة عامة لتلك الثورة، وتحوَّل عدم الارتياح بظهور نموذج جديد للحكم في مواجهة القطبين الكبيرين إلى شكل من أشكال الحرب وتطور إلى مقاطعة ثم حصار وعقوبات اقتصادية وظلت الحكومات المتعاقبة في جمهورية إيران الإسلامية تمضي على ذات النهج الذي رسمته الثورة الإيرانية عند اندلاعها.. مع اختلافات بسيطة تتمثل في وجهات النظر والفلسفة الإسلامية في بعض جوانب الحكم مع الالتزام الصارم بالنظام الإسلامي، وظن الغرب أن بوسعه زرع الفتنة بين وجهات النظر المختلفة تلك وصار يزرع الفتنة والادعاءات ويحاول الاختراق ويطلق المسميات ويمول بعض ذوي النفوس الضعيفة ويجند كل ما لديه من قدرات وإمكانات.. دون أن يحقق خطوة واحدة من اختراق جدار الثورة الإسلامية. وفي ذات الوقت ازداد الشعب الإيراني قوة إضافة لقوة العقيدة في مواجهة الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تجاوزت كل الحدود المعقولة بل تجاوزت امريكا «الشيطان الأكبر» إلى بقية الدول الغربية الأخرى في أوروبا.. ولم يؤثر الحصار على الشعب الإيراني ولم يضعف إيمانه وإنما دفعه بقوة صوب الاعتماد على الذات.. الإنتاج وتطوير القدرات والاستعداد للدفاع عن النفس والقصيدة.. في العام1989 زرنا إيران في الذكرى العاشرة للثورة وشاهدنا كيف يحتفل الشعب الإيراني بذكرى ثورته.. وكيف يعزز من مكانة بلده ودينه وقادته.. كيف يهدد بإعلان تأييد قادته وقائد ثورته الإمام الخميني وكيف يردد العبارات التي تندد بأمريكا واسرائيل. امريكا لا تقف مواقفها هذه ضد إيران لأنها تؤمن بالقصيدة الشيعية كما يتبادر إلى الأذهان في البلاد العربية السنية.. امريكا موقفها ديني بحت ضد الإسلام.. هي تؤمن بالمسيحية واليهودية ولا تريد أن تعترف بالرسالة المحمدية الخاتمة للرسالات.. وامريكا تتمثل كل مشكلاتها ضد العالم العربي والإسلام في الصهيونية التي زرعت دولتها في قلب العالم العربي والإسلامي.. وفي ارض مقدسة.. تريد لهذه الدولة أن تكون دولة قوية على جميع الدول العربية والإسلامية.. وتريد أن تستخدم كل ما لديها من مال وقدرات اقتصادية وعسكرية لتثبيت أركان هذه الدولة في مقابل الإساءة إلى أصحاب الأرض وشعوب المنطقة جميعها التي تدين بالإسلام.. فالموقف مبدئي ضد هذا الدين ولذا نجدها تحارب في المنطقة العربية تدمِّر العراق وتحاصر إيران وتطارد الأفغان إضافة لما نعيشه نحن هنا في السودان.. وأود أن أؤكد أن كل ما تفعله امريكا والصهيونية لإطفاء نور الإسلام سوف يبوء بالفشل لأنه من نور الله.. فها هي الشعوب العربية المسلمة تثور في وجه حكامها الخاضعين لأمريكا وتتحرر بقراراتها وتصنع ثوراتها وتتحدى كل أشكال الهيمنة والحصار والآلة الحربية الأمريكية.. الشعب الإيراني يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع.. بل إن تحديات الحصار الاقتصادي والاستفزاز الأمريكي جعل من إيران دولة عظمى تملك إرادتها.. وتطور قدراتها وتمارس حرياتها بالصورة التي تراها وترضي طموحات شعبها. في مستهل التسعينيات رفعنا شعار نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع.. وكسرنا الحصار الاقتصادي والغذائي وطورنا اقتصادنا برغم كل صنوف الكيد والحصار الجائر غير المسبَّب إلا ما نعرفه من حقد ضد الإسلام وضد كل من ينادي به ويعمل بموجبه.. ولعلنا نذكر كيف كانت البواخر التي تحمل المواد البترولية «البنزين والغاز» والشعب في الانتظار في صفوف طويلة والمواد مشتراة بأموال الشعب السوداني كيف كانت تحول إلى موانئ دول أخرى وكيف كانت تحول بواخر القمح والشعب يقف في صفوف أمام محطات البترول وأماكن بيع الغاز والمخابز للحصول على حصص بسيطة من تلك السلع الضرورية في إطار تربص وتخويف الشعب وجعله ذليلاً تابعاً يسبح بخيرات الغرب وفكر الغرب وأفعال الغرب.. لا بد لنا أن نتذكر تلك الصورة.. وكيف تجاوزنا كل ذلك بعزيمة الرجال.. وفكر الرجال وإيمان الشعب.. لا بد لنا أن نتذكر.. الحرب التي كانت تنال من كل قدراتنا المالية والدعم الكبير الذي كان يقدَّم للعدو سواء من امريكا وإسرائيل مباشرة أو عن طريق ثالث نعلمه جيداً.. واليوم ونحن في ظل هذه الفتن التي يزرعها أمامنا العدو.. لا بد أن ننظر بشمول لمجمل الأمر .. وعلينا أن نتأكد من أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا طالما أننا لا نخضع لهم ولا نركع لغير الله.. ولا نتبع ملتهم ولا بد أن نعلم أن هذه الضوائق من غلاء الأسعار وندرة بعض السلع وإن لم تبلغ تلك المبالغ التي بلغتها في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات هي امتحان لقدرتنا على الصمود ومواجهة التحدي.. وأن نعتمد على مواردنا.. وأن نستزرع الأرض لنأكل مما نزرع على أرضنا الولود الودود وأن نواجه التحدي بتحد أكبر بأن نوجه كل قدراتنا صوب الإنتاج.. وبالإنتاج لن نحتاج بإذن الله.