عندما تمَّ توقيع إتفاقية نيفاشا، تعهدت بريطانيا بأنها ستعفي ديونها على السودان. ولكن لم تفعل حتى الآن، بعد مرور ثمانية أعوام على توقيع الإتفاقية في 9/يناير 2005م. عقب توقيع اتفاقية نيفاشا، قالت بريطانيا إنها ستلعب دوليّاً دوراً قياديَّاً في حملة إعفاء ديون السودان. ولكن لم تفعل. مسؤولون بريطانيون كبار، قبل نيفاشا، ومنهم السفير البريطاني في الخرطوم السيد/ وليم بيتي، كانوا يصرحِّون بتوقُّعهم بأن يُصبح السودان، بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، الشريك التجاري الثالث لبريطانيا في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا ونيجيريا. ولكن لم تحدث شراكة حتى الآن. لا صغيرة ولا كبيرة. واليوم مرَّت (8) أعوام على الوعود البريطانية، ولكن لا يزال هناك جمود بارد بين لندنوالخرطوم. يشار إلى أن بريطانيا دفعت ما يزيد عن ثلاثين مليون جنيه استرليني لتمويل المفاوضات التي تمخضت عنها اتفاقية نيفاشا. وعلى خلفية التنكر للوعود الذي لا يليق بالساسة المحترمين، و على خلفية البرود الإنجليزي السياسي والدبلوماسي تجاه السودان، هناك في الحقيقة كنز من المصالح الإقتصادية والثقافية بين البلدين. وكان يُفترض قيام شراكة كبرى في الإستثمار والتجارة والتعليم والخدمات، تتناسب مع عمق المعرفة المتبادلة بين بريطانيا والسودان. لكن للأسف لاتوجد شراكة في أيٍّ من تلك الإتجاهات، بينما توجد ثلاث آلاف شركة بريطانية تستثمر في أفريقيا. بريطانيا ذات العلاقة الخاصة بأمريكا، وأكبر حلفائها السياسيين والعسكريين والأمنيين، وأكبر شركائها الإقتصاديين والثقافيين، هي الدولة الوحيدة في أوربا، وفي العالم، التي يمكن أن تكون أهم المرشّحين، في دفع تطبيع العلاقات وفتح النوافذ المغلقة بين واشنطنوالخرطوم، لكن لندن لم تشأ أن تفعل جهداً في هذا الإتجاه. لكن هناك وجه بريطاني داخلي يمكن أن يساهم في بداية تطبيع وتطوير علاقات البلدين. ذلك الوجه تحديداً هو الإسلام البريطاني. على سبيل المثال بعثة الحجّ البريطانية أصبحت تبلغ أكثر من عشرين ألف حاجّ سنويَّاً. تلك البعثة أكثر عدداً من حجيج العديد من الدول الإسلامية. وقد كان اللورد (نذير أحمد) أمير الحجيج البريطانيين في إحدى السنوات الماضية. تلك إشارات واضحة إلى أن أغلب المسلمين البريطانيين يجدون في المملكة المتحدة من الحرية والعدالة، ما لا يتوفَّر في بعض أقطار العالم الإسلامي الأربعة والخمسين. كما تعبِّر بريطانيا عن فهم كبير للحجاب. وفي لندن تشاهد شرطيات بريطانيا مسلمات يرتدين الحجاب. وكذلك في سلاح البحريّة. وفي بعض مناطق العاصمة البريطانية تكاد لا تميز إن كانت تلك لندن أم القاهرة أم دمشق أم أنقرة. حلقات الدراسات الجامعية و حركات المؤتمرات والمراجع والوثائق، عن الشرق الأوسط والإسلام، يزيد نشاطها في لندن، نظيراتها في المدن الكبرى في الدّول العربية والإسلامية. هناك الكثير من التطوّر، في العديد من المجالات، ينتظر علاقات السودان ببلد يُعتبر مستودعاً هامَّاً للتراث الإنساني، بلد يمتلك تراثاً عميقاً من الحكمة. تلك بلاد (هيوم)، (لوك)، (برتراند رسل)، (جون ستيورات مِل)، (دَيَسي)، (ألفرد نورث هوايتهد)، (جوليان هَكسلي)، (توماس هكسلي)، (ألدوس هسكلي)، (شكسبير)، (شارلس ديكنز)، (برنارد شو)، (كرومويل)، وغيرهم، من قبل ومن بعد، من العقول الراقية في مختلف المجالات. لكن سياسياً واضح أن ليس هناك أمل قريب في العثور على خريطة جزيرة الكنز السودانية - البريطانية. إذ أن العلاقات الثنائية قد طال أمدها، وهي تتمدّد بالحرارة (الأمريكية) وتتقلّص بالبرودة الأمريكية. حتى إشعار آخر ستظل علاقات الخرطوم - لندن من الطيور الماشية. لن تصبح تلك العلاقات ذات أجنحة تحلِّق في الفضاء، إلا بعد أن يتم تطبيع العلاقات السودانية - الأمريكيّة.