يظل وزير الاستثمار الدكتور مصطفى عثمان، رقماً مهماً في الخريطة السياسية السودانية. فالرجل أدار ملف العلاقات الخارجية إبان توليه منصب وزير الخارجية، وكذا الحال عند إمساكه بذات الملف في المؤتمر الوطني. وفي الحلقة الثانية من الحوار الذي أجرته «الإنتباهة» خلال مرافقتها الرجل في زيارته للولاية الشمالية التي بدأت الجمعة الماضية، ناقشت معه الواقع السياسي بالبلاد في المساحة التالية: ذكرتم أن الحكومة بدأت في كهربة المشاريع الزراعية الكبيرة بالشمالية، فهل بذلك يكون المؤتمر الوطني أوفى ببرنامجه الانتخابي لمواطني الولاية؟ المؤتمر إذا أنجز مشروع كهربة المشاريع الزراعية في الولاية الشمالية يدخل الانتخابات المقبلة مرتاحاً، لا أعتقد أن هناك حزباً سينافسه إذا أنجز كهربة مشاريع الولاية الزراعية، وحتى الآن الخطط الموضوعة لتنفيذ الأمر تمضي بشكل ممتاز، وإنسان الشمالية يقدر للمؤتمر الوطني وحكومته تعبيده للطرق بالولاية خاصة طريق أم درماندنقلا، خاصة وأن المواطن كان يعاني ما يعاني ويقضي قرابة الأسبوع ليصل الولاية في ظروف سيئة أرهقت الناس وأزهقت الأرواح والممتلكات. كم تبلغ نسبة التنفيذ للبرنامج الانتخابي للحزب بالشمالية حتى الآن؟ المؤتمر الوطني نفذ ما لا يقل عن «70%» من برنامجه الانتخابي تجاه الولاية الشمالية، فإذا تحدثنا عن الكهرباء نجده قطع شوطاً بعيداً وهي الآن غطت جميع محليات الولاية عدا محليتي حلفا ودلقو، والآن تجري الاستعدادات لتنفيذها، وهذا كان التزاماً من الوالي السابق الشهيد فتحي خليل، ونحن سنستمر في ذات الاتجاه بتنفيذ الالتزام. وبكهربة المشاريع الزراعية نستطيع أن نؤكد أن المؤتمر الوطني نفذ برنامجه الانتخابي في مجال الكهرباء، وفي الطرق أكمل الحزب جميع الطرق الرئيسة وشهدتم معنا يوم الإثنين الماضي افتتاح مجموعة من الطرق بالمحليات، في محلية القولد قبل ستة أشهر لم يكن بها شبر واحد مسفلتاً. لكن يا دكتور أين خدمات التعليم في البرنامج الانتخابي للحزب بالشمالية؟ لم يقتصر البرنامج على الكهرباء والطرق المسفلتة، وافتتحنا وأنتم شهود على مدينة الراحل الشيخ البروفيسور أحمد علي الإمام الجامعية برومي البكري ومدارس القولد، أمنتقو بجانب مستشفى القولد الكبير ومشروعات أخرى كثيرة. أين تكمن الشفرة التي مكنت المؤتمر الوطني من الانتقال من مرحلة التخاصم إلى التوافق؟ الانتخابات معروف أنها دائماً تخلف انقسامات، خاصة عندما تختفي الرسالة التي يتمحور حولها البرنامج الانتخابي، مهما ارتقى المجتمع في أفكاره ومفاهيمه ورسالته، وتذكر في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وعقب وفاته كاد الصحابة ينشق جمعهم في ثقيفة بني ساعدة. فالأنصار أرادوا أن يكون الخليفة منهم، وكذا المهاجرون، ولكن قدَّر الله أن يجتازوا تلكم المحنة. إذاً فطبيعة البشر فيها ما يمكن أن نسميه في بعض الأحيان بالأنانية. والولاية الشمالية بعد الانتخابات انتابها بعض من هذا، حتى في داخل جسم المؤتمر الوطني، ويحمد للشهيد فتحي خليل أنه في آخر أيامه نجح في لملمة أطراف الولاية ليس فقط في جسم المؤتمر الوطني، ولكني أشهد بنجاحه في لملمة مكونات الولاية ومشاربها السياسية المختلفة، وأن تتمحور كلها حول الشهيد الحاكم الراشد عفيف اليد واللسان الصادق الأمين الذي لا تدور حوله أية شبهة، ولا يستطيع كائن من كان، مهما كان اتجاهه السياسي من أقصي اليمين أو الشمال في حق الراحل، لا يستطيع إلا أن يصفه بما ذكرت، ولذلك التف حوله أهل الشمالية وأن يوحدهم، وينتقل بالولاية من حالة التخلف والفقر إلى المرحلة الأولى من النهضة الماثلة الآن في جميع المجالات. ما هي الوصفة التي يضعها د. مصطفى السياسي والطبيب لتحصين الشمالية من تقلبات السياسة لا سيما بعد بروز وثيقة كمبالا؟ علينا أن نقرأ التاريخ جيداً. فالإمام المهدي كان نتاجاً لبيئة الولاية الشمالية، في الديمقراطية الثالثة الجبهة الإسلامية القومية اكتسحت كل دوائر الولاية، هذا نتاج طبيعي لبيئة إنسان الشمالية الإسلامية ويؤمن بأن أرضه حاضنة للشريعة الإسلامية وناطقة باسمها وعبرها دخل الإسلام للسودان، ولذلك تجد الرفض بنسبة «100%» حتى من المنتمين للأحزاب الأخرى في الولاية لوثيقة كمبالا باعتبارها ردة ووسيلة لتمزيق السودان والارتداد عن الدين، وهناك إجماع، فالأصوات التي توجد بالخرطوم معدومة في الشمالية، فإنسان الولاية الشمالية أصلاً محصن. وثيقة كمبالا برأيكم، هل ستؤثر في الحوار الذي يجريه المؤتمر الوطني مع الأحزاب؟ قطعاً المؤتمر الوطني كحزب سياسي كبير لا بد من أن يقرأ الساحة قراءة صحيحة، ولا بد من أن يقرأ الوثيقة قراءة صحيحة، وهذا ما فعله الحزب وقدمها للشعب السوداني بالشيء الذي تستحق، مما جعل الشعب يتبرأ منها والأحزاب السياسية التي ذهب منها مناديب لكمبالا تبرأوا منها. وهذه الوثيقة ستشكل خنجراً في أعناق من اجتمعوا بكمبالا الذين أرادوا توحيد المعارضة في الداخل والخارج، فالنتيجة كانت عكسية، ووثيقة كمبالا وضعت الأساس لتمزيق المعارضة، وهم سيحاولون مرة أخرى أن يتجمعوا في إطار آخر ويستفيدوا من هذا الدرس الذي استفاد منه المؤتمر الوطني دون شك، وعمل على تفتيت المعارضة دون شك، ولكن المؤتمر الوطني حتى يستكمل القضاء على وثيقة كمبالا، لا بد أن يفتح حواراً جاداً مع القوى الوطنية الموجودة داخل السودان، التي ارتضت بالعملية السلمية والتبادل السلمي للسلطة لا بد أن يفتح حواراً جاداً معها لا سيما وأننا الآن نطرح وثيقة الدستور وهي مفتوحة لكل من يريد المشاركة، ونؤمن أن يكون الدستور انعكاساً يجد كل سوداني نفسه فيه. إذاً المؤتمر الوطني مستعد لفتح حوار جاد مع القوى بالداخل؟ المؤتمر الوطني بعد أن يقيم حملته ضد وثيقة كمبالا سيفتح حواراً جاداً مع القوى المختلفة حسب موقفها من الوثيقة. ما ذكرته من استقرار سياسي واقتصادي بالشمالية يحمل في طياته دعوة لأبناء الشمالية بالداخل والخارج للعودة، نرجو المزيد من التفاصيل؟ إنسان الولاية الشمالية لم يهاجر منها إلا مضطراً حتى المغتربين منهم يتركون أبناءهم في الولاية لأنها آمنة مطمئنة، الولاية الآن استقرت بالكهرباء والطرق هذه دوافع للعودة، وأنا نائب لدائرة دنقلا الجنوبية التي تمتد من دنقلا العاصمة إلى الغابة شرق وغرب النيل، أناشد كل أبناء الولاية بالداخل والخارج، أن يأتي وينظف بيته ويصينه ويزوره في الأعياد ليرى بعينيه، والآن تشهد الولاية عودة قوية لأبنائها، وأقول لهم هلموا لتروا بأم أعينكم ما يحدث في الشمالية. أبدت شركة أمريكية رغبتها للاستثمار في مشروع سكر سنار، فهل تعتبر الخطوة مؤشراً لكسر الجمود في العلاقات مع أمريكا؟ نحن حريصون على علاقة سوية مع أمريكا، وليس لدينا برنامج لمعاداة أمريكا والوقوف في وجهها، وكل الذي نريده ألا تتدخل أمريكا في شؤوننا، وأن تتعامل معنا بمنهج يقوم على المصالح المشتركة، فإن فعلت هذا نحن أحرص ما نكون على علاقة طيبة معها، وهناك بعض نماذج لهذا التعاون لكنه محدود. ووالي سنار عندما وصلت هذه الشركة وطلبت منه الاستثمار في مجال السكر التقاني والي سنار وطلبت منه بصراحة أن يقول للشركة إن امريكا تفرض علينا حصاراً ونحن نريد أن نطمئن باستثناء الشركة من الحصار الذي تنفذه مؤسسة الأوفاك في أمريكا التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية وهي التي تمنح الاستثناءات. وما هي أبرز الاستثناءات التي صادقت عليها الأوفاك؟ أعطت استثناءات للصمغ ولبنك الخرطوم، ولذلك قلت لوالي سنار أنا اطمئن إذا كانت الشركة تحمل استثناء من الأوفاك، وهذا ما فعله الوالي، والشركة بالفعل استثناءً من الأوفاك، ومن ثم تسلمت المشروع والأسبوع المقبل سنعقد اجتماعاً برئاسة النائب الأول بحضور والي سنار والوزراء المعنيين لننظر في المشروع ونجيزه وكل وزارة تتحمل مسؤوليتها مع الشركة في تنفيذ المشروع إذاً من حيث المبدأ الشركة حصلت على الاستثناء المطلوب لتنفيذ المشروع. الخطوة برأيكم هل ستسهم في تسريع وتيرة الحوار مع واشنطون؟ هي رمزية، وإذا نجحت الشركة ستشجع نظيراتها الأخرى للعمل في هذا المجال، وستعطي إشارة أن المصالح مسألة في غاية الأهمية، ويجب علينا ألا ننتظر رفع الحصار، وبصراحة لست واثقاً في ظل وجود الكونغرس الأمريكي بشكله وعدائيته الحالية وقوى الضغط الموجودة بصدور قرار برفع الحصار وإن حدث فهذا أفضل خاصة وأن وزارة الخارجية تنظر إيجاباً لتولي جون كيرى منصب وزير الخارجية الأمريكية لكنني أؤمن بأننا يمكن أن نفرغ هذا الحصار من مضمونه بمعنى آخر كل جهة يمكن أن تأتي باستثناء سنتعامل معها، وعندئذ سيأتي وقت نجد الحصار قد أفرغ من مضمونه، وسيصبح وقتها رفع العقوبات والحصار من عدمه سيان، ولا أتوقع في القريب العاجل في ضوء هذه السياسة التي تتبعها واشنطون أن يتم رفع الحصار إلا إذا رأينا تغييراً جذرياً في هذه السياسة وعندئذ يمكن أن نقول إن الحصار يمكن أن يرفع وعلينا أن نفرغ الحصار من مضمونه عبر التعامل مع القطاع الخاص والشركات التي تريد أن تستثمر في السودان. نعود بك كقيادي إسلامي للحركة الإسلامية السودانية التي تتوق قواعدها للوحدة، فماذا تقول؟ أنا لدي تفاؤل يمكن أن يرتقي إلى درجة اليقين من أن الصف الإسلامي في السودان سيتحد، وواضح جداً أن ما يجري في العالم من حولنا كالربيع العربي والمؤامرات التي تجري في السودان وآخرها وثيقة كمبالا كلها، نبهت الإسلاميين أن الإسلام مستهدف سواء أكان من يرفع رايته المؤتمرين الوطني والشعبي، حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي فهو مستهدف من قوى بعينها، وهي مدعومة من قوى خارجية تريد أن تنحي الإسلام وتبعد القيادات الإسلامية بعيداً عن الحكم في السودان، وتعمل على تمزيق الوطن، وفي تقديري واحدة من حسنات وثيقة كمبالا أنها نبهت أولئك الغافلين الذين كانوا يظنون أن الاستهداف والتآمر المقصود به المؤتمر الوطني اتضح لهم أن التآمر مقصود به الإسلام والسودان. فالتيار الإسلامي ابتدأ الآن يستوعب التحديات، وأنها أكبر من أن نجلس في خلافات بين بعضنا البعض، ولكن الأولى في كيفية معالجة هذه الخلافات ونتجاوزها لما هو أهم، وأنا مع الداعين لوحدة الصف الإسلامي ليس بين المؤتمرين الوطني والشعبي فحسب، ولكني أنادي كل أهل القبلة للنظر لما يجري حولهم من تآمر. انظر إلى مصر، فالمؤامرة ضد أية راية وشعار للإسلام، فالقوى العلمانية تجمع نفسها للانقضاض على ثورات الربيع العربي لأنها أتت بالإسلاميين. هل تتوقع تسارع وتيرة الحوار بين الوطني والشعبي في ظل تلكم المعطيات التي تفضلتم بذكرها؟ دعنا نتحدث عن قاعدة الإسلاميين، أنا متأكد اليوم لو طرح استفتاء على القواعد في المؤتمر الوطني والشعبي لفاز الاستفتاء بأكثر من «90%» بتمسك القواعد بالوحدة، ومشكلتنا في القيادات. وفي تقديري أن القواعد بضغطها على الوطني والشعبي تستطيع القيادات أن تضع العربة في الاتجاه الصحيح وتوحد التيار، وما جرى في مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير كان عبارة عن تحرك فاعل للقواعد، وأعادت الأمور إلى توازنها لدرجة كانت مرضية إلى حد كبير. صراحة، هل نجحت مجموعة «السائحون» فيما طالبت به؟ مجموعة «السائحون» والتيارات المختلفة التي لها آراء استطاعت أن تعبر عنها بصراحة وقوة جعلت قيادة الحركة الإسلامية تعيد الانتخابات في أكبر كتلة بولاية الخرطوم للأمين العام ورئيس الشورى، كل ذلك لتحقيق الثقة والشفافية بين القاعدة والقيادة، ولولا ذلك الحراك الذي وُجد بالحركة الإسلامية لما حدث ذلك، ومن كانوا يجلسون على الرصيف تحركوا وانتظموا، وهذا الحراك سيستمر وهو أمر مطلوب، وهذه الدماء ستطغى على الوطني والشعبي وتقود إلى توحيد الصف مرة أخرى. فالسودان لا يحتمل تناكف المؤتمرين الوطني والشعبي لأنه سيضر بمصلحة السودان.