عندما نتحدَّث عن الثروة السمكيَّة في السودان فنحن نتحدَّث قطعًا عن البحر الأحمر والمصائد الداخلية، ويبلغ المخزون السمكي حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالميَّة (الفاو) حوالى (110) آلاف طن من الأسماك. بالنسبة للبحر الأحمر فإن إنتاجه يُعتبر محدوداً وذلك لضيق الجرف القاري إضافة إلى خصوبة المياه بسبب ارتفاع الملوحة ودرجات الحرارة، وهناك حوالى (63) نوعاً من الأسماك التجاريَّة، ويقدَّر المخزون السمكي في المياه الساحليَّة السودانيَّة بنحو (10.000) طن، ويبلغ إنتاج الأسماك الحالي من المصائد البحريَّة بنحو (13.000) طن / العام، ويتركَّز إنتاج أصداف اللؤلؤ في خليج دنقناب، ويوجد الجمبري (الروبيان) في بعض مناطق الخلجان على طول ساحل البحر الأحمر، ويتركَّز بكميات تجاريَّة في مناطق قليلة منها دلتا طوكر في شرق السودان، حيث يُقدَّر الإنتاج الحالي بنحو (15 20) طنًا في العام، وأهم أنواع الأسماك في البحر الأحمر البركودة، الناجل، الشاعور، الريشان، الكشري، التونة، القرش، الفكي شرم، الحجري، البلطي، أبو منشار، وتُعتبر هذه الأسماك درجة أولى وأكثرها وجودًا هو سمك الحجري، وهناك أسماك تُصنَّف درجة ثانية وثالثة ومنها بياض، إسموت، أقهام، أبو قرن، قرش، كوكري، كزريب. تعيش بعض الأسماك المتوحِّشة في البحر الأحمر مثل القرش والحوت الأزرق ولكن بكميات لا تُعيق حركة الملاحة، وأكثر أنواع السمك طلبًا في السوق هي الناجل والريشان والشاعور. ويعتبر سوق أبو حشيش أكبر سوق محلي لاستهلاك المنتجات البحرية، وتقدِّم المطاعم فيه وجبات أهمها شوربة أبو جلمبو والسمك المطفي والصيادية. ويُعتبر أهم سوق للصادر في مدينة محمد قول بمحلية جبيت المعادن، وهو عبارة عن ثلاجات ومبرِّدات كبيرة الحجم يتم فيها تجميع الأسماك وشحنها للصادر. وبالنسبة للمصائد الداخلية في المياه العذبة فهي غنية جدًا وأهمها بحيرة خزان جبل أولياء، وبحيرة خزان الروصيرص، وبحيرة خزان سنار، وبحيرة خزان خشم القربة، وبحيرة النوبة. وهناك أسماك مستوردة بغرض الاستزراع والتصدير بكميات محدودة للمزارع السمكية وهي: القمبوزيا السلمون، البلطي ملانوبورا، الكارب العاشب، الكارب العادي. سوء عمليات التداول والحفظ أحدث خسائر بنسبة (20%)!! والأسماك تُسوَّق وتُستهلك طازجة بنسبة (63%) من الإنتاج أو مجفَّفة بواسطة الشمس بنسبة (28%) أو مملحة بنسبة (9%).. الأسماك الطازجة تُرحَّل من مناطق الإنتاج البعيدة إلى مناطق الاستهلاك الرئيسية في العاصمة وبعض المدن الأخرى عن طريق التبريد بالثلج في معظم الأحوال أو بالعربات المبردة أحياناً.. ويتم تسويق الأسماك المجفَّفة في مناطق الزراعة الآلية والمطرية.. أما الأسماك المملحة فتُصنَّع لأغراض الاستهلاك المحلي والصادر لبعض دول الجوار.. ونتيجة لسوء عمليات التداول والحفظ وضعف البنيات الأساسية لحفظ وتصنيع الأسماك فقد رُصدت خسائر كبيرة فيما بعد الحصاد تُقدَّر بأكثر من (20%) من جملة الإنتاج. صناعة السمك بدائيَّة في السودان!! وحسب التقارير والإحصاءات فإن صناعة الأسماك تمارس في السودان بطرق بدائيَّة، وبالتالي فإن الكميات المصنَّعة قليلة نسبياً وتُستهلك محلياً مما لا يسمح بمجال للتصدير بالمستوى الذي يشجِّع على التوسُّع في تصنيع هذه الأسماك.. وطرق الحفظ تنحصر في طرق بدائية هي: الفسيخ والذي تتوفر الأسماك الصالحة لعمله في المياه العذبة والبحر الأحمر، ففى المياه العذبة توجد أسماك الكأس والكوارة أما في البحر الأحمر فتتوفر أسماك العربي بكميات كبيرة. السمك المجفَّف ويُعتبر من الصناعات التقليديَّة قليلة التكلفة ويمارسها المواطنون على شاطئ النيلين الأزرق والأبيض.. فالمنتجات الرئيسية المجفَّفة هي الكجيك الأسود الذي يُصنع من القرموط وأم كورو والكجيك الأبيض الذي يصنَّع من البلطي والعجل والدبس. والتخمير الذي هو عبارة عن أسماك يتم تخميرها بالملح ويصنع من فصائل الكأس والكوارة والدبس وغيرها. التبريد وهي أسماك طازجة مبرَّدة بواسطة الثلج ويمكن حفظها لفترة أسبوعين، وتتطلب هذه الصناعة إنشاء مصانع ثلج بالقرب من مناطق الإنتاج.. تنتشر مصانع الثلج الخاصة بقطاع الأسماك في كل من سواكن في شرق السودان، ومدينة الشجرة بالخرطوم، ومحافظة حلفا القديمة.. وتُستخدم العربات المعزولة والثلاجات وغرف التبريد الحديثة في حفظ وترحيل هذه الأسماك. التجميد وهو صناعة تقوم على حفظ الأسماك مُجمَّدة لمدة قد تصل إلى (6) أشهر في درجة حرارة (18) تحت الصفر مما يساعد على تصديرها للمناطق البعيدة. التعليب ولا يُستعمل إلا نادرًا رغم أنه توجد بعض فصائل الأسماك التي تصلح للتعليب، ففي البحر الأحمر مثلاً توجد أسماك التونة والساردين والماكريل وهي موسميَّة، كما أن هناك بعض فصائل الأسماك في المياه العذبة تصلح للتعليب مثل الكرارة والكأس وغيرها. وأخيرًا التدخين وهو عبارة عن سمك مشوي بطريقة التدخين أي تسليط الدخان على الأسماك لتنضج على بطء ويُنتج بطرق تقليديَّة خاصَّة في جنوب السودان، وقد بدأ تدخين الأسماك بطرق حديثة على النيل الأبيض وجبل أولياء. ويُستفاد أيضًا من مخلَّفات الأسماك في صناعة الأعلاف والأسمدة والمخصَّبات وفي صناعة الصابون، وتزيد كميات المخلَّفات عند تنظيف الأسماك وتقطيعها إلى شرائح، ويمكن الاستفادة كذلك من لحوم الأصداف والزرمباك في تصنيع الأسماك. حديث ذكريات مع رئيس جمعيَّة صيادي سواكن يقول الأستاذ جيلاني محمود أبو علي رئيس جمعية صيادي سواكن ل (الإنتباهة): ارتباطي بالبحر بدأ مبكرًا لأن أبي وجدِّي صيادان.. من عمر (6) سنوات أنا مع الماء أي (51) سنة أنفقتها بصحبة البحر.. أول ما بدأ الصيد كانت نوعية القوارب بسيطة وخشبيَّة تعتمد على شراع الهواء.. ومعدَّات الصيد كانت الخيط والسنّارة بخيط قطني، والشباك لم تكن تُستعمل كثيرًا.. هناك شرك اسمه القراقير مصنوع من السعف مثل القبَّة توضع في المناطق الضحلة، وكلما ابتعدت عن الساحل تستخدم السنارة، ولأنَّ عدد الصيادين كان قليلاً كانت الأسماك متوفِّرة والآن تطوَّرت القوارب وباتت متينة والخيط أصبح عصبيًا مستوردًا من اليابان ليقبض الأسماك والسنّارات شديدة الحساسيّة، والشباك أصبحت أنواعًا كثيرة ساحليَّة وأخرى للقاع واعتراضيَّة.. حدثت قفزة كبيرة، ولكن ليس بالمستوى المفروض كما في العالم حولنا.. الآن عندنا برنامج تدريب للصيادين على الأجهزة الحديثة لتحديد المواقع وجهاز الباحث عن الأسماك.. الآن هناك تركيز على الصيد لأنَّ العائد أصبح عاليًا وبدأت الأسماك تتناقص لأنَّ مناطق الصيد نفسها من (80) سنة، لذا نتجه للبحث عن مناطق صيد جديدة ومراعٍ للأسماك جديدة، وهناك أيضًا واحات، وهي منطقة ضحلة وسط الأعماق تعيش فيها طفيليات، وبالتالي دورات الأسماك لا يمكن تحديدها إلا بهذا الجهاز، ويمكن تخزين إحداثياتها للعودة إليها، ووصلت الأجهزة إلى إدارة المصائد البحريَّة الآن، ويتم التدريب لتفعيل هذه الأجهزة، ولدينا (19) جمعيَّة لصيد الأسماك في الساحل ومراكز الصيد في محمد قول وسواكن وأوسيف. أكبر سمكة اصطدتُها خلال المدة الماضية هي بياض بها (28) كيلو، والصيادون اصطادوا سمكة وصلت ل (125) كيلو فصيلة الكشرة أو التوين. أسماك القرش موجودة بكثرة وحصل كم مرة حوادث مثل التهامه للجزء الخلفي كاملاً من الصياد، وهي مصدر خطر كبير على صيادي الغوص، هناك نوع من القرش حاول الهجوم على صيادين داخل القارب، ومنه مقاسات ضخمة فوق الخيال، أنا شاهدتُ واحدًا فوق الثلاثة أمتار أثناء عملي لشرك للسمك الكبير.. في يوم من الأيام جئتُ وجدت الجركانة تحاول النزول للأسفل وعندما اقتربت وجدتُ سمكة قرش أطول من قاربي ولا أستطيع أن اصطادها لأنها قاتلة، واسمه النمراني، فتركت الشرك وعندما عدتُ وجدتها كسرت الجنزير وهربت، وهي أسماك عصب الألم عندها معدوم، إلا إذا لمست عينه لذا هو خطر وله صف أسنان يتبع الآخر. القرش نفسه في سن محدّدة يتحول إلى حوت قاتل، هو أصلاً قرش وشوهد في البحر الأحمر حوت يصل إلى (18) طنًا. التوينة أيضًا قاتلة، هناك حادثة في الميناء وقع عامل شفطته سمكة التوينة التي تصل إلى (300) أو (400) كيلو، وهناك البركودة وهي خطرة جدًا لأن لها أنيابًا متراصّة مثل الذئب وجسمها مثل التوربيد في اندفاعها وسرعتها، وتهاجمك على الظل أي انعكاسه على الماء فهو ذكي جدًا. عندنا منطقة دنقناب بها محار اللؤلؤ، وعادة هي قشرة سقطت داخل المحار فأصبح هكذا.. وفشلت المزرعة لأن القواقع ماتت لسبب بيئي ومات المشروع والؤلؤ الصناعي أُوقف الطلب عليه.