هو أحد الشعراء الأفذاذ الذين وضعوا بصمات واضحة في مسيرة أغنية الطنبور، وُلد في القرير في العام «1945م» وغنى من كلماته كبار فناني الطنبور ومن أشهر أغنياته «الطيف» و«الزول الوسيم». تخرَّج في كلية الآداب بجامعة الخرطوم وعمل بالإذاعة السودانية ما بين الأعوام «1972 م 1983م» ثم هاجر إلى المملكة العربية السعودية حيث عمل بجريدة الجزيرة ثم عاد إلى الوطن بعد غياب امتد طولاً... إنه الشاعر/ محمد سعيد دفع الله.. حوار: سامي مصطفى حسن عباس أستاذ محمد سعيد نود أن نقف أولاً على البيئة التي شكَّلت شاعريتك؟ يرى بعض الناس أن البيئة هي طبيعة الأرض التي ينشأ فيها الإنسان، وأنا في تقديري أن البيئة تحوى الأرض والإنسان بل كل مشاركات الحياة من حولك ما بين أهلك وأصدقائك وأسرتك والمجتمع عامة، أنا وُلدت في القرير، والقرير أرض زراعية كما هو معروف، وكان غالب سكانها في ذلك الزمان يمارسون الزراعة، ونشأت ما بين الزراعة والجناين والخضرة وبالتالي الوجه الحسن الذي يُقصد به شكل الإنسان، وأنا قد أرى البيئة نفسها كوجه حسن، وأنت عندما تقف أمام النيل على مد البصر تجد نفسك أمام جو مُلهِم، ووسط هذه الأجواء الجميلة والطبيعة الخلابة والمناظر الساحرة تشكَّلت بداخلي صور الجمال.. ما هو أول نص كتبه محمد سعيد دفع الله؟ لا أتذكر أول قصيدة كتبتها، وكنت أكتب مجاراة لشعر حسن الدابي وشعري الأول كان به كثير من نَفَس وأسلوب حسن الدابي. «مقاطعة»: هل تأثرت به؟ نعم تأثرت به بشكل قاطع، ولا أظن أن هناك شاعرًا في القرير لم يتأثر به لأنه قمة سامقة في الشعر، وكان الشاعر الأوحد في المنطقة. أغنية «الزول الوسيم» التي صدح بها الراحل المقيم النعام آدم ما هي قصتها؟ هذه الأغنية كتبتها وأنا طالب بالمرحلة الثانوية في ستينيات القرن الماضي، وكان من المفترض أن يتغنى بها الفنان علي اليمني ولكن قدر الله أن تكون من نصيب الفنان الراحل النعام آدم، ووصلت له عن طريق شقيقي محمد نور دفع الله وغناها وسجلها للإذاعة السودانية وأُذيعت عبر برنامج «ربوع السودان»، وبعد ذلك التقيتُ الفنان النعام آدم وتم التعاون بيني وبينه في عدد كبير من الأغنيات. مَن مِن الفنانين تعاملت معهم؟ أكاد أكون تعاملت مع كل الفنانين، وأول من غنى لي هو الفنان عثمان سليمان محمود وكان طالباً آنذاك، وهو من أبناء المنطقة، وهو فنان بمعنى الكلمة، وكان يغني حباً في الغناء ولم يتقاضَ مليماً واحداً على الإطلاق إلى أن ترك ساحة الغناء، ثم الفنان الراحل المقيم النعام آدم/ علي اليمني/ محمد جبارة/ عثمان اليمني/ صديق أحمد/ الراحل المقيم محمد كرم الله/ عيسى بروي/ صالح حسين/ عبود تبوري/ يوسف كرم الله/ عبد القيوم الشريف/ ميرغني النجار/ عثمان عبد العظيم/ وقبله الراحل المقيم يس عبد العظيم وبالمناسبة لديَّ بعض الأغنيات سجلها للإذاعة الفنان صاحب الصوت الرخيم/ إبراهيم موسى أبا «رحمه الله» فنان الغرب المعروف ولحَّنها الموسيقار/ عبد الماجد خليفة ولديَّ أغنية أخرى للفنان/ عبد التواب عبد الله والذي ظهر فترة من الزمن ثم هاجر إلى خارج السودان ولست أدرى أين هو الآن عفواً لمن سقط اسمه سهواً من الفنانين عبر ثقوب الذاكرة الخربة. الثنائية المتفردة التي جمعت بينك وبين الفنان الراحل محمد كرم الله وحققت كل هذا النجاح إلى ماذا تعزو أسباب ذلك؟ ليست هناك ثنائية بالمعنى المعروف، والفنان/ محمد كرم الله غنى لشعراء آخرين من أبناء المنطقة، ولكن أغنية الطيف ربما أعطت البعض إحساساً بأن هناك ثنائية بيني وبينه، ولو كانت هناك ثنائيه لكانت مع الفنان الراحل/ النعام آدم لأنه كان من أوائل الفنانين الذين تعاملت معهم ولي فتره طويلة وكانت الفرصة مواتية لخلق ثنائية بيني وبينه، وكنت أعتبر أن من واجبي أن أتعامل مع كل الفنانين ولا أكون حكراً على فنان بعينه حتى تتسع ساحة الطنبور. حدِّثنا عن مناسبة أغنية «الطيف»؟ ليست لها مناسبة خارقة يمكن أن تُذكر، وهي تشرح نفسها من خلال كلماتها وهي قصة إنسان يخاطب الطيف الذي رحل وتركه وحيداً. # «مقاطعة»: ما هو السبب وراء نجاحها؟ اجتمعت بها مقوِّمات الأغنية الناجحة «الكلمة واللحن والأداء» لذلك كُتب لها النجاح ووجدت قبولاً ورواجاً واسعاً وربما صادفت هوىً في نفوس البعض فاكتسبت هذه الجماهيرية. ما رأيك في ظاهرة هجرة المبدعين؟ المبدع هو إنسان يحتاج إلى مقوِّمات الحياة، وقد يتأذَّى أكثر من الإنسان العادي في تقديري إذا شعر بنقص في مقوِّمات الحياة، هذه المعاناة تدفعه للخروج أو الهروب الخروج بمعنى والهروب بمعنى آخر. الخروج بحثاً عما هو أفضل والهروب يكون من شيء يُضيِّق عليك أياً كان. أنا مثلاً هاجرت من أجل أن أعالج أحد أبنائي بعد أن عجزت عن علاجه هنا، وفي الغربة قد تجد المال ولكن قد تفقد أهلك وأسرتك وأصدقاءك والأمان الذي كنت تشعر به، والهجرة بالنسبة للمبدع هي غالباً ما تنشأ من هذه الجوانب: التضييق أو المعاناة، ويهاجر المبدع بحثاً عن تحسين وضعه المادي وضمان مستقبل أفضل لأسرته وأبنائيه. الشعر القصصي لعب دوراً في انتشار أغنية الطنبور.. ما رأيك؟ الشعر القصصي كان موجوداً منذ قديم الزمان، ولكن بدأ اليوم يصل إلى الناس من خلال الوسائط الحديثة والنت وأشرطة الكاسيت، وذكر لي أحدهم أن الشركات كانت تطلب من بعض الشعراء هذا النوع من الشعر، وذلك من أجل التسويق، وبالمناسبة الفنان الكبير/ عبد الرحمن بلاص هو أول من تغنى بهذا النوع من الشعر ولديه مجموعة كبيرة من الأغنيات منها «ولدي الحتالي» وتقول: يحفظك الله يا ولدي الحتالي نجاحك كيف عجبني وسر بالي كذلك هناك قصائد/ لقسم السيد عبد الرسول الشاعر المعروف، أذكر أنني قرأتها في مجلة الإذاعة والتلفزيون وأنا طالب «وهي تحكي عن قصة فتاة عانس كانت تريد الزواج ورفض أهلُها إن يزوجوها» وهذا النوع من الشعر ليس سهلاً ولا يكتبه إلا شاعر متمكِّن وله مقدره على الكتابة.. تكريم المبدع وهو على قيد الحياة ماذا يعني له؟ تكريم المبدع يجب أن يكون في بداية حياته حتى يفجِّر طاقته الإبداعية ويواصل عطاءه، وأنا أشعر بتقصير شديد من الجهات الرسمية تجاه المبدعين لأن الدولة للأسف تضع المبدع في آخر اهتماماتها، وإذا شعر المبدع بعدم اهتمام الدولة يقل بالتالي انتماؤه النفسي لها وحتى الأسرة الصغيرة إذا أهملتك ولم تقيِّمك يقل الانتماء لها لأن الإنسان مشاعر، وتكريم المبدع بعد وفاته فد يفيد أسرته ولكن الأجمل أن يكرَّم وهو على قيد الحياة. صوت شعري جديد لفت نظرك؟ أنا للأسف الشديد غبت عن السودان سنوات طويلة لذلك لم أكن متابعاً للحراك الثقافي والأدبي، ولكن هناك شاعرًا جاء بعدنا مباشرة يدعى/ أحمد سيد أحمد رحمة لكنه لم ينتشر، أما من الشعراء الذين انتشروا منهم ابننا/ حاتم حسن الدابي وهو شاعر مقتدر ومن أسرة شاعرة وكذلك الشاعر/ الفاتح إبراهيم بشير وهو أيضًا شاعر متميِّز واستطاع هذان الشاعران أن يصلا إلى المستمعين من خلال المنابر الإعلامية والمنتديات الثقافية والجامعات وهناك الكثير من الشعراء المتميِّزين ولكن لم يظهروا.. كلمه أخيرة؟ الشكر والتقدير لصحيفة «الإنتباهة» هذه الصحيفة الناجحة والمنتشرة لزيارتهم الكريمة لي والتي أتمنى أن تسير في الخط الذي يجمع ولا يفرِّق والتحية والتجلة للفريق الركن/ إبراهيم الرشيد مع خالص أمنياتي لكم بالتوفيق والسداد.