في القرن الماضي عندما وقف عالم الانثروبولوجيا في منابع النهر لاحظ شيئاً غريباً .. لاحظ العالم عند تلك البحيرة حيث ينبع النهر ان كل الناس حول البحيرة عراةً ..! كلهم حفاةً عراةً غرلاً ينظر بعضهم الي بعض .. والامر عندهم اهون من ان يهمهم .. فسأل العالم .. من هؤلاء ..؟ وما تفسير هذا السلوك عند هذه الشعوب ..؟ فأجابوه من علي ضفاف البحيرة : هذه شعوب لم تشرق عليها شمس القرن العشرين .. ولا يزال فجرها وضياؤها ليلاً وظلاماً .. هذه شعوب إنحدرت الي قاع الانحطاط الحضاري ..! انحني العالم وسجل ملاحظاته وانطلق مع مجري النيل شمالاً من المنبع حتي بلغ المصب .. عند المصب لاحظ عالم الانثروبولجيا شيئاً غريباً .. لاحظ العالم عند المصب ان كل الناس علي ضفاف البلاجات عراة ..! كلهم حفاةً عراةً غرلاً ينظر بعضهم الي بعض والامر عندهم اهون من ان يهمهم .. وقد اكتفوا بقطع صغيرة من الملابس (للعلم) لا تستر إلا بعضاً مما تستر ..! فسأل العالم .. من هؤلاء ..؟ وما تفسير هذا السلوك عند هذه الشعوب ..؟ فأجابوه من علي ضفاف البلاجات : هذه شعوب اشرقت عليها شمس القرن العشرين فأحالت ليلها وظلامها فجراً وضياءً .. هذه شعوب بلغت قمة الرقي الحضاري ..! انحني العالم وكتب في مذكرته عند منبع النيل وعند مصبه تستوي قمة وقاع الحضارة .. ثم الاعلام في بلاد السودان .. الاعلام في السودان وفي تلفزيون يبث من السودان ايام فجر الانقاذ ينتج ويخرج (في ساحات الفداء ..) وكانت الطرقات في الخرطوم وفي عديد من المدن تخلو من المارة عند التاسعة مساءً من كل يوم جمعة .. كان الناس والشيب والشباب معاً يتسمّرون امام شاشات التلفاز حيث ساحات الفداء ويتسامرون به ليلاً طويلا .. كانوا يتجمعون تجمعا مرحوماً امام تلفزيون ساحات الفداء ويتفرقون تفرقاً معصوماً وفي النفس من الجهاد حده الادني يترجمه حديث النفس بالغزو في سبيل الله والامل في الا يموت احدهم ميتة الجاهلية .. والتلفزيون ياخذ زمام المبادرة ويبلغ الرسالة ويؤدي الامانة ويرسم الصورة الذهنية للبطل في عقول الشباب ويقدم نماذج الجهاد والفداء والبطولة علي هئية شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوي الاسلام دينا .. تعهدهم فأنبتهم نباتاً .. كريماً طاب في الدنيا غصونا .. وارتالاً من الشباب يتدافعون الي ساحات الفداء .. يتدافعون الي الموت فداءً للدين والوطن فينبت تحت ظل الانقاذ غرسٌ جديد ويحيا في الناس موتٌ جديدٌ هو الحياة .. وتقلبت بالناس تقلبات الزمان .. واشرق علي الناس وعلي الانقاذ زمان (الفجر الجديد).. فاذا الاعلام في السودان وفي تلفزيون يبث من السودان ايام (ضحي) الانقاذ ينتج ويخرج (نجوم الغد ..) والطرقات في الخرطوم وفي عديد من مدن السودان الاخري تخلو من المارة عند الساعة ( كم كده ..؟ ما ما عارف .. مساء يوم (....؟؟ ما متأكد) .. والناس يتسمّرون امام شاشات التلفاز حيث نجوم الغد ويتسامرون بهم ليلاً طويلاً .. ثم يذكرونهم بكرةً واصيلا .. والتلفزيون ياخذ زمام المبادرة ويبلغ الرسالة ويؤدي الامانة ويرسم الصورة الذهنية للبطل في عقول الشباب ويقدم نماذج الغناء والطرب الاصيل .. ويقدم شيوخ التحكيم والاداء الغنائي .. ويقدم مختصين في الدندنة والدوزنة والصولفيج الايقاعي فيري الناس الخلاعة في بناتٍ والتخنث في بنينا .. وتري الناس سكاري وما هم بسكاري .. وارتالاً من الشباب يتدافعون الي ساحات نجوم الغد .. يتدافعون بايقاع راقص وبايقاع الدليب وايقاع التمتم وايقاع ال ( هارلم شيك ) وكلهم حولها يدندن .. فينبت تحت الانقاذ غرسٌ جديد وتحيا في الناس حياةٌ هي الموت .. فيستيقظ في دواخل شباب الغد ونجومه ما يدفع بعضهم ليرقد في قبر الحوت وينادي علي الموت هلم هلم ويطالب بدفنه مكان الحوت ويفديه بنفسه التي بين جنبيه لتكتب للحوت الحياة .. وكان عالم الانثروبولجيا يقف عند فجر الانقاذ فيجد شباب ساحات الغداء فينحني ويسجل ملاحظات .. وكان عالم الانثروبولجيا يقف عند (ضحي) الانقاذ مدّ الله في ايامها فيجد شباب نجوم الغد فينحني ويسجل ملاحظات .. والعالم يجد في فجر الانقاذ شباباً يتسمر امام التلفاز ويندفع الي الموت فداءً للدين والوطن .. ويجد في ضحي الانقاذ شباباً يتسمر امام ذات التلفاز ويندفع الي الموت فداءً للحوت (لا)الوطن فيفديه بنفسه التي بين جنبيه .. وبأمه وأبيه .. وصاحبته وبنيه .. وفصيلته التي تؤويه.. وعالم الانثروبيولجيا يجد الشباب هم الشباب .. والموت هو الموت .. والتلفاز هو التلفاز .. والانقاذ هي الانقاذ ..! عالم الانثرويولجيا يجد ما وجده سعد ابن ابي وقاص يوم القادسية .. يجد الضبر ضبر البلقاء والطعن طعن ابي محجن ..!