حضرت عدة قمم عربية، قمة القاهرة 1996م والخرطوم 2006م والدوحة 2009م وفي سرت 2010م، والآن في الدوحة 2013م، بوصفي صحافياً قريباً من نبض هذه القمم ومتابعاً عن قرب وكثب لفعالياتها، ومن بعيد نتابع القمم العربية منذ وعينا السياسي، لكن هذه المنعقدة الآن في الدوحة تشهد غياب عدد من الرؤساء السابقين في العالم العربي كان لهم حضور كبير بحكم البقاء المتواصل لهم في السلطة، فخمسة رؤساء سابقون غابوا عنها بعد اقتلاعهم برياح وعاصفة الربيع العربي وهم «حسني مبارك، علي عبد الله صالح، زين العابدين بن علي، معمر القذافي وبشار الأسد». ومعروف أن لكل منهم بصمته الشخصية على القمم العربية بما يضفيه عليها من لمساته الشخصية وحضوره مهما اختلف الناس في تقديرها وقياس درجاتها.. وكثير من القادة والرؤساء والزعماء عبر التاريخ لهم تصرفات ومظاهر وحضور يلفت الأنظار ويستقطب مساقط الأضواء. فالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي كما شاهدته عن قرب معروف عنه حسن التأنق وجودة اختياره لملابسه وشدة سواد الصبغة التي يستخدمها لصبغ شعر رأسه ولمعان حذائه، وهو إلى جانب هذه الميزات قليل الكلام ويتجنب التصريحات فلا يقابل الصحافيين الذين ينتشرون في أروقة القمم ويتحاشى الحديث المسموع، وحتى حديثه مع القادة العرب فهو همس خفيض، ويجلس على مقعد بلاده لا يتحرك ولا يلتفت مثل صنم بوذي عتيق.. وحكم بلاده ثلاثين سنة ولم يحضر كل القمم وألغى قمة في بلاده عام 2004م. والرئيس المصري السابق حسني مبارك، كان يحب أبهة السلطة، فهو يتحرك في القمم بوفد كبير بخطوات واسعة لكنها بطيئة، ويميل إلى شكليات محددة مثل لون بدلته ونوع صبغة الشعر وربطة العنق، ويستخدم لغة الجسد في إشاراته وتلميحاته، غير أنه مع القادة في الممرات والدهاليز له ضحكمة مجلجلة وقفشات يسمعها القريب ويستاءل عنها البعيد، غير أنه حذر بعض الشيء، فهو يحب أن يستخدم الإعلام في الضرورة التي يريدها.. ويضع أصبعه على خده في أية جلسة مستمعاً ومنصتاً باهتمام داخل الجلسات المعلنة، ويعرف كيف يواجه كاميرات التصوير، ويجيد عمل المشاورات والمصالحات وراء الجدران وصناعة المحاور والمؤامرات السرية، وحكم بلاده ثلاثين سنة حضر فيها «18» قمة عربية جلها كان في بلاده في القاهرة أو شرم الشيخ. أما الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، فإنه قلق النظرات والكلمات، سريع الخطوات، حميم في علاقاته، كثير اللقاءات على هامش القمم مع إخوته من القادة والرؤساء، وصوته مسموع أيضاً بلكنته اليمانية، ويحب أن يدور بمقعده أثناء الجلسات والكلمات، ولا يستقر على هيئة واحدة.. وحكم بلاده ثلاثاً وثلاثين سنة حضر فيها قمماً عربية تقارب واحدة وعشرين قمة. أما بشار الأسد فقد شاهدته عن قرب في ثلاث قمم، ولديه اعتداد بنفسه وجدية تفوق ما يتصوره المرء فيه، ويحب المجاملات السريعة مع الصحافيين ويتبادل معهم الابتسامات، ولا يتحرج عن الإدلاء بتصريحات مقتضبة وسريعة في خطاباته وتداخلاته في الجلسات وأثناء النقاشات، فهو يميل إلى الجدل اللفظي والفلسفي وعلم المنطق، ويركز في حديثه على نقاط وترقيم وترتيب الموضوعات، ويكثر أيضاً من اللقاءات مع الرؤساء والقادة على هامش القمة، ولا تتحرك معه حاشية كثيرة.. وحضر بشار الأسد في حياته سبع قمم عربية فقط. أما الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، فقد كان نجم نجوم مؤتمرات القمة بلا منازع، ولم يحضر قمة من القمم إلا وحرص على أن يكون البدر الوحيد الذي يسطع في سمائها أو الصقرالوحيد المحلق في فضائها كما يقول أتباعه، ويتميز بزيه الخاص سواء أكان زياً غريباً يبتدع شكله وألوانه، أو زياً إفريقياً أو بدلة عسكرية كاملة فوقها النياشين والأنواط والأوسمة التي تزين صدره.. ويتحرك في حاشية ضخمة تصل إلى ألف شخص يأتون معه بجسر جوي، ويسبب حرجاً وشغلاً شاغلاً للدولة المضيفة، فمقر إقامته يقيمه في خيمة يجلبها معه، ويجلب معه ناقة لشرب حليب الإبل، وحراسته من النساء، وللقذافي عادات غريبة، فهو لا يدخل مع القادة والزعماء لقاعات القمم العربية، بل يدخل بعدهم حتى يُعطى اهتماماً خاصاً ويركز عليه الإعلام، ويدخل مضيفيه في حرج عندما يدخل عقب بدء الجلسات يتبختر كالطاؤوس في مشيته وبهرج الجوقة التي تتبعه، والأهم من كل ذلك فإنه يحب خطف وسحب الأضواء في أية قمة يحضرها، بافتعال تصرف غريب أو إثارة مشكلة مع زعيم عربي، كما حدث في قمة شرم الشيخ في عام 2003م مع الملك عبد الله عاهل المملكة العربية السعودية، وفي قمة الدوحة عام 2009م، ومن تصرفاته الغريبة التدخين ونفث الدخان في فضاء القاعة بطريقة مستفزة، أو الهجوم على القادة العرب أنفسهم وإحراجهم بالكلام، كما أنه يحب الأضواء والتصوير، ويرفع رأسه ويشمخ بهامته لأعلى، ويميل للغريب من التصريحات ويسخر من الجميع. لقد غاب هؤلاء عن القمة الحالية وقبلها قمة بغداد، فقد جرفتهم سيول الربيع العربي، لكن بقيت صور لهم وذكرى لم تغب في أروقة القمم، وستستمر ثم تتلاشى بلا شك بعد حين ويطويهم النسيان.