مؤتمر الأحزاب الإفريقية الذي ينطلق اليوم بالخرطوم، عمل إفريقي صميم، يصِل ماضي القارة القريب بحاضرها ومسستقبلها، وكانت إفريقيا منذ استهلالات النصف الثاني من القرن الماضي تبحث عن نفسها ووجودها مع هبوب رياح الاستقلال والحرية على بلدان القارة، وكانت دولُها وشعوبُها قريبة بعضها من بعض، النبض واحد وكذلك الآمال العريضة والتطلُّعات.. وعبَّرت القوى السياسية والأحزاب الإفريقية في تلك الحقبة عن الشعارات الحقيقية وبرزت قياداتها التي ملأت الآفاق مثل كوامي نكروما وجمال عبد الناصر وباتريس لومامبا وجومو كينياتا والإمبراطور هيلا سلاسي وبقية الآباء المؤسسين للعمل الإفريقي المشترك الذي أفضى مع مطلع السنوات الستين من القرن الماضي إلى قيام منظمة الوحدة الإفريقية.. وكان الدور الأبرز في بناء إفريقيا الجديدة الخارجة بجراحها من الحقبة الاستعمارية، هو دور الأحزاب بمختلف تكويناتها ومراحلها ومشاركاتها في النضال من أجل الانعتاق أو نهضة القارة من جديد، ولعبت التكوينات السياسية على طول الطريق الطويل الشاق من أجل الحرية والنهضة أدوارًا عظيمة مهدت الطريق أمام ما تعيشه القارة اليوم وهي تقطف ثمار الأفكار المؤسسة لتضامنها ووحدتها ومحاولاتها لجعل القارة تتبوأ مكانتها بين قارات العالم الفسيح.. صحيح أن الأحزاب التي تلتقي اليوم هي الأحزاب الحاكمة في بلدان القارة من الكيب تاون حتى الإسكندرية ومن المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، لكنها في الأصل تستمد رؤيتها وتصوراتها من أفكار القادة العظام والآباء المؤسسين الذين وضعوا لبنات البناء الإفريقي وفتحوا نافذة للمستقبل تمضي في اتجاهها الأجيال اللاحقة من القادة السياسيين.. أمام إفريقيا تحديات كبيرة ينبغي أن تكون في مقدمة اهتمامات الأحزاب الإفريقية التي في السلطة والأخرى المعارضة، وهي كيفية الخروج بالقارة من حالة التبعية وارتهان إرادتها في كثير من الأحيان ومحاولات استهدافها واختراقها، فهي برغم نهب الثروات في الفترة الاستعمارية لا تزال هي القارة البكر الغنية بالموارد وتستطيع أن تهِب العالم كله من خيراتها وحكمتها، ولكم يحتاج العالم كما بات معروفاً في أوساط دولية متنوعة، إلى أعراف القارة وتقاليدها في صناعة السلام وفضّ النزاعات ونظام الأسرة وغيرها.. فالأحزاب الإفريقية مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بتأكيد التزاماتها بنهج السلام والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحريات العامة والتنمية وتقديم نموذج الحكم الرشيد وهي تجلس على كراسي الحكم في بلدانها، فنحن شعوب القارة في حاجة ماسة لشعارات جديدة تعبِّر عن تطلعاتنا والأفكار تقود القارة كلها من ما هي فيه إلى المقدمة والريادة ولا يكون ذلك إلا إذا عكفت أحزابنا الإفريقية على تقريب وتوليد مفاهيم التضامن والتنسيق وبعث المشروعات الوطنية الإفريقية من مراقدها وحفظ القارة من الارتهان والهيمنة والإملاءات التي تأتيها من الخارج لتتنفس القارة وهي مستقلة في قرارها قوية في تماسكها تستفيد من ثرواتها التي تساوي ثلث الموارد في العالم أو أكثر.. لا للحريات الأربع.. لا نفهم على أي شيء تم توقيع اتفاقية لإنشاء آلية بين السودان وجنوب السودان لتنفيذ اتفاقية الحريات الأربع؟ والآلية تعمل على كيفية تطبيق الاتفاقية المبرمة في 27 سبتمبر 2012م ضمن الثمانية اتفاقيات وسُمِّيت في تلك الفترة اتفاقية وضع مواطني البلدين، وتم تكوين لجنة فنية في إطار الاتفاق تلتقي خلال أسبوع لتجهيز الكيفية لتنفيذ الاتفاقية وفق الترتيبات التفصيلية لتجيزها اللجنة الوزارية المختصة.. تعتقد الحكومة والمؤيدون لاتفاقية الحريات الأربع، أنه لمصلحة المواطنين الموجودين على الحدود وعددهم كما تقول الحكومة بالملايين، لكن هذا الاعتقاد في مجمله غير صحيح، فالقبائل الرعوية القاطنة على الحدود خاصة قبائل البقارة الرزيقات والمسيرية والحوازمة وأولاد حميد سليم وكنانة والهبانية والتعايشة والفلاتة وقبائل رفاعة الهوى والكواهلة والقبائل الرعوية في النيل الأزرق وغيرها، وطَّنت نفسها منذ «2005م» بعد وصول الحركة الشعبية للحكم في الجنوب عقب نيفاشا، على ترتيب بدائل تقيها شرور التوغل بماشيتها جنوباً، فعندما كان السودان بلدًا واحدًا مُنع الرعاة من هذه القبائل من دخول أراضي الجنوب وحُرموا من المراعي ومصادر المياه، فكيف يستفيدون منها اليوم والجنوب دولة لا تنفك تدعم متمردي دارفور وقطاع الشمال؟ وتناصب دولة الجنوب هذه القبائل العداء ولديها مشكلتان مع أكبر قبيلتين رعويتين في السودان، المسيرية في أبيي والرزيقات في 14 ميل!! لكن المقصود من اتفاقية الحريات الأربع، هو السماح لمواطني دولة الجنوب، بالقدوم مرة أخرى للعيش في السودان مستفيدين من الحريات الأربع، ومتمتعين بحق التملك والعمل والتنقل والتجارة.. وهذا خطأ فادح ترتكبه الحكومة في حق البلاد وأمنها واستقراراها، فإذا فتحنا هذا الباب، فلن تستطيع الحكومة أن تمنع ملايين الرعايا من دولة الجنوب للمجيء للسودان ليشكلوا مشكلة أمنية ومعيشية وخدمية واجتماعية جديدة ولن تستطيع الحكومة يومها رتق الفتق... البارونة ميرال حسين.. العودة إلى الجذور.. خلال الأيام القادمة وضمن وفد من مجلس اللوردات البريطاني، ستطأ قدما البارونة ميرال حسين أرض أجدادها لأول مرة، وهي تشعر باضطرام مشاعر وعاطفة جياشة وشعور غريب بعودة الدم الذي يجري في عروقها لأصله وأرومته ومنبته وشهقته.. البارونة ميرال هي حفيدة رجل سوداني اختُطف وهو فتى لم يبلغ الحلم بعد من شمال السودان مع أخته وهما يصطادان السمك على النيل وبيع في مصر ومنها لتاجر رقيق مشهور في لارنكا بجزيرة قبرص، وهناك تعرَّض لكل صنوف التعذيب والهوان لإجباره على الردة عن الإسلام لكنه استعصم وأبى وصمد، فاشتراه رجل مسلم من الأتراك، وعاش هناك وأعتقه سيده التركي وعمل بالتجارة وهاجر بعدها لبريطانيا وتزوج سيدة تركية وأنجب عدة أبناء من بينهم والد البارونة ميرال حسين.. وقالت البارونة إنها ستسعى بمعاونة هيئة الإذاعة البريطانية BBC ، خلال زيارتها المزمعة خلال أيام للسودان، إلى معرفة أصولها بواسطة الحمض النووي D.N.A، هي وابنة عمها توناي حسين وابنة عمها الأخرى الفنانة التشكيلية البريطانية الشهيرة تريسي أمين عبد الله.. وتعيد قصة البارونة ميرال عشرات القصص لسودانيين هاجروا في القرون الماضية أو اختُطفوا بواسطة تجار الرقيق وأصبحوا ذوي مكانة في مهاجرهم البعيدة مثل فليكس دارفور في جزيرة هاييتي، والعكسريين السودانيين الذين بقُوا في المكسيك بعد رحلة الأورطة الشهيرة عام 1863م للمشاركة في حرب المكسيك بطلب من الأمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، والشيخ ساتي في إندونيسيا والشيخ حسون الذي ارتبط بالثائر الأمريكي مالكوم إكس وكفنه ودفنه عقب اعتقاله، وغيرهم كثير من السودانيين الذين عبروا قارات العالم السبع في قرون مضت... كتاب ومقاطعة رئيس.. الرئيس التونسي الدكتور محمد منصف المرزوقي عُرف عنه أنه مفكر سياسي وكاتب ملتزم قبل تسنُّمه رئاسة الجمهورية كرئيس مؤقت في بلده، يعتزم خلال أيام إصدار كتاب بعنوان «دروس التجربة التونسية»، لكن المعركة التي يخوضها الرئيس الكاتب، ليست مضمون الكتاب، إنما حول دار النشر التي يصدر عنها الكتاب وهي دار نشر فرنسية شهيرة «لاديكوفيرت» التي ستنشر الكتاب باللغة الفرنسية.. عدد كبير من المثقفين التونسيين ودُور النشر الوطنيَّة عابت على الرئيس الذي يمثل شرعية الثورة التونسية تجاهله لدُور النشر التونسية العريقة واختياره لدار نشر فرنسية لتستفيد من كتابه الذي كُتب بلغة غير العربية وهو من أكبر الدعاة للتعريب ويقود حزبه «المؤتمر من أجل الجمهورية» هذه الدعوة... مقاطعة الكتاب من المثقفين والقراء التونسيين هي الشغل الشاغل في الفضاء الإعلامي والثقافي التونسي..