لعل المتتبع لمسيرة الإنفعالات الخارجية مع قضايانا الداخلية يلحظ أن التجاوب دوماً مع ما تمر به الحكومة داخلياً ليس كما هو مأمول بالنسبة للقيادة التي تدير أمر وشؤون الحياة من سياسة وإجتماع وإقتصاد وخلافه مما يعكس بدوره واقعا ثقيلاً قد يؤدي إلى تعميق الفجوة بين المواطن ودول العالم الخارجي وفقا لما يتصوره بالترصد المستمر والتربص المشين وعدم الحياد. وقد وجدت أصداء الحرب على أم روابة تتابعاً مستمراً من كافة المهمومين بأحوال الوطن فيما غابت ردود الدولية والدول الصديقة عن الواجهة الشيء الذي ترك بصمته على الخارطة ورسم تساؤلات كثيرة جديرة بالإهتمام لواقع السياسة الخارجية المتبعة. فكثيرون يرون أن الدور الذي تلعبه الخارجية وظلت تلعبه غير كافٍ فيما يرى أخرون تقصير الدبلوماسية الرسمية والشعبية في حشد الدعم الأجنبي لمناصرة المسألة السودانية في المحافل الدولية مما أدى بدوره إلى هذا التقصير الملحوظ في تناول الدول الخارجية للحادثة التي غمرت كل الاحلام السودانية بقرب توصل الحكومة وقطاع الشمال إلى إتفاق من خلال المفاوضاتا لتي يجريها الطرفين في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. بيد أن هناك من يقول إن العالم أصبح قرية صغيرة بفعل التطور المهول في ثورة المعلومات وتقنياتها ويوافقه في ذلك المنطق المبني على تلك الحقيقة ويعيشها الكل اليوم، ولكن المتتبع لهذه الأحداث يكاد لا يجد صدى لها خارجيا إلا في القليل من الدول التي نشط فيها سفراءنا في التبصير بحقيقة ما يجري ومن إستهدافات القوى المعارضة للحكومة والتي إنتهجت أسلوب المواجهة العسكرية في ترويع أمن المواطنين وسلامهم وإستقرارهم في كل من أم روابة وأب كرشولا والله كريم والسميح بعد أن عاثت فساداً وتقتيلاً في مدن وقرى وأرياف ولاية جنوب كردفان التي كادت أن تكون ولاية من عهد بائت بعد أن هجرها معظم مواطنيها وفروا شمالاً وشرقاَ وغربا بحثاً عن الأمن والأمان وأرتموا في أحضان أهليهم وذويهم بتلك المناطق. هاهو المشهد يتكرر مرة أخرى تحت مسمع وبصر العالم الذي أعماه الغرض من توجيه كلمة حق حتى وإن كان المراد منها باطلاً وأصبح حاله لا يسمع ولايرى ولا يتكلم في صورة أشعرت الناس وكأن هناك موقف متحد عالميا بغض الطرف عن ما يجري ويتجرعه إنسان السودان من مرارات معارضيه وقوة بطشهم وعن هذا أكد أستاذ الدراسات الأستراتيجية بجامعة بحري والمحلل السياسي الدكتور عمر عبدالعزيز في حديث ل(الانتباهة) عن صمت المجتمع الدولي بإنهم (فرحانين وما زعلانين) وقال إن المجتمع الدولي (خشم بيوت) وأن القوى المعارضة للسودان يبرهن مما حصل إنها أكثر من مناصريه لجهة أن ما حدث رأت أنه يستحق الصمت موضحاً إن عدم التعليق على الحدث نفسه تصريح دبلوماسي ولكنه رجع وقال إن ما نقله الإعلام السوداني خارجيا بسط الأمر وكأن كل ماجرى الإعتداء عليه هو محطة كهرباء وبرج إتصالات« بيد إنه تحسس من أن ينتقد أكثر بقوله« كواريكنا كترت« وأي حدث لما يتكرر يفقد بريقه. إن المجتمع الدولي تجمعه وتربطه المصالح المشتركة وهو لا يخطو خطوة إلا وقد حسب حساباته لما يمكن أن تبرز من نتائج. فهذا وما يجري الأن يتطابق تماماً مع مفردات الواقع فقد رفض المجتمع الدولي أن يشير إلى إعتداءات وخروقات المعارضة بمختلف مسمياتها ضد الحكومة وهي تحاول أن تزحف لاسقاط النظام حتى وإن كان ذلك على جماجم الأبرياء من المواطنين والأطفال والشيوخ فالهدف عندهم (مكيافيلي النظرية) والغاية دوما تبررها الوسيلة. أما الأستاذ الشفيع أحمد محمد مدير الإدارة الخارجية بوزارة الخارجية سابقاً والسفير الحالي بافغانستان فقد أوضح في حوار سابق نهج وتحركات المجتمع الدولي حيال الأزمة الناشبة في السودان بسبب الصراع في دارفور، فأكد أن الدول الكبرى لها دور في كل مايجري على الأرض هنا في إشارة إلى دارفور التي غادرها أهلها بسبب النزاعات الناشبة وقتها بين المعارضة المسلحة وقوات الحكومة وقال إن التحركات التي يقومون بها دائماً ما تكون منسقة ومبنية على مواقف الحكومة من المجتمع الدولي فهناك شد في حالة إشتداد الحكومة في تعاملها مع إملاءات تلك الدول ورفضها لكل ما يملى إليها بإعتبار إنه تدخلاً في الشئون الداخلية وبإعتبار أن السودان دولة ذات سيادة ينبغي أن ترضخ لتهديدات دول أجنبية لها دخل فيما يجري من أمر بالداخل، ويكون في الوقت نفسه لها موقفاً مشابه في حالة إرخاء الحكومة للمسائل ذات الطابع المشترك بمعنى أن العلاقة إضطرادية شد في حالة الشد ومد في حالة المد. وما ينعكس اليوم من ردود أفعال تجاه تجاهل المجتمع الدولي للشأن السوداني يؤكد كل ما ذهب إليه الخبراء سابقا. وقد شنت دوائر مجتمعية انتقادات لضعف الدور الدبلوماسي والتعاون الخارجي للسودان فأشار د.بركات موسى الحواتي في حديثه لي أنه لابد من ملاحظة أن هدف من أهداف الهجوم إنه رسالة للأحزاب الإفريقية المجتمعة بالخرطوم وقد تعرض لها المجلس كجزء من العلاقات الدولية وقال »حقيقة إن الصمت مريب ولا يقبل إلا الموافقة الضمنية« وأشار الحواتي إلى ما سبق مفاوضات القطاع والحكومة وقال إن كلاما كثيراً جرى عن الموافقة والدعم والتأييد الدولي له ولكن بمجرد حدوث الخرق لم يتحرك ساكناً، وقال إن هذا يؤكد أن هناك إستهدافاً سياسيا للنظام في السودان لكنهم لا يدرون إن الثقافة السودانية والمزاج السوداني يتحدث عن وطن وليس نظاماً حسب قوله. وأشار أن ما جرى عين الذي حدث في هجليج وجدد بقوله إن الصمت المريب هذا لا يفسر في مصلحة السودان إطلاقاً لا إقليمياً ولا دولياً لذلك والحديث للحواتي لابد من تساؤل للمسكين بالقرار السياسي عن تحليلهم لهذا الصمت؟؟ بيد إنع قال أن الحدث عبارة عن درس ثاني وثالث للحكومة وأن التمرد وسع دائرة إستهدافه ليشمل شمال ووسط كردفان بدلاً عن إنحصاره في أوقات سابقة في الجنوب. واستهجن الحواتي ما يجري من تصرفات تصب في خانة الاعتراف بالخطر الذي يمثله التمرد وقال أن ذلك من شأنه إرسال رسالة سالبة مفادها التخوف مؤكداً أن ذلك سيؤدي من هبوط قيمة الوطن.